ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 09 - 2007, 06:51 م]ـ
ومع:
23_ القدير:
فالقدير: صيغة مبالغة من: قدر، يقدر، تقديرا.
وهنا لابد من الإشارة إلى الاختلاف الدقيق الواقع بين معاني أسماء ثلاثة: القادر، والقدير، والمقتدر.
يقول ابن الأثير رحمه الله: (في أسماء اللّه تعالى [القادِر والمْقتدِر والقَدِير] فالقادر: اسم فاعل من قَدَر يَقْدر، والقَدير: فَعيل منه وهو للمبالغة، والمْقتدر: مُفْتَعِل من اقْتَدَر وهو أبْلَغ)
"النهاية في غريب الأثر"، (4/ 41).
ويقول الزجاج رحمه الله: (القدير أبلغ في الوصف من القادر، لأن القادر اسم الفاعل من: قدر يقدر فهو قادر، وقدير: فعيل، وفعيل من أبنية المبالغة).
فالقادر من جهة الدلالة على المعنى: أولها، لأنه من جهة البناء اللغوي: اسم فاعل من الفعل الثلاثي: "قدر".
ويليه في قوة المعنى: القدير: فهو صيغة مبالغة من نفس الفعل الثلاثي، وصيغة المبالغة أبلغ في الوصف من اسم الفاعل.
ويليه: المقتدر، فهو، وإن كان اسم فاعل، والأصل أن صيغة المبالغة أبلغ منه كما تقدم، إلا أنه أبلغ في وصف القدرة من صيغة المبالغة: "القدير"، لاختلاف الجذر اللغوي، فالقاعدة السابقة إنما تصح إذا كان جذرهما اللغوي واحدا، فتكون صيغة المبالغة أبلغ من اسم الفاعل على الأصل المتقرر، كما في: "قادر" و "قدير"، أما وقد اختلف الجذر اللغوي، لأن "المقتدر" جذره خماسي: "اقتدر"، والزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى، كما قرر البلاغيون، فإن "المقتدر" أبلغ في الوصف بالقدرة من "القدير" ومن "القادر" من باب أولى.
هذا من جهة الاشتقاق اللغوي، وأما من جهة المعنى، فإنه يلزم قبل بيان معنى كل اسم منها الإشارة إلى:
مراتب القدر، وقد سبقت الإشارة إليها في مداخلة سابقة فهي: أربع مراتب: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وهي مرتبة في التأثير في إيجاد المقدور ترتيبها في الذكر، فالله عز وجل: علم فكتب فشاء فخلق.
وعليه قال العلماء:
القادر متعلق بالمرتبة الأولى من القدر، وهي: العلم، مع التنبيه على أن علم الله الأزلي، هو علم: تأثيري، فليس علم إحاطة وفقط، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من القدرية، لنفي تأثير الله، عز وجل، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى في مقدوراته، فالصانع في الدنيا لا يستطيع أن يخرج سلعة متقنة إلا إذا سبق صناعته علم مسبق بتفاصيلها له أبلغ الأثر في إخراجها في أحسن صورة، ولله المثل الأعلى، فهو أولى بهذا الكمال المطلق الذي يتصف به العلماء والصناع المهرة من البشر، ولا إشكال في إجراء القياس الأولوي في مثل هذه المواضع، لأن الصفة التي جرى فيها: صفة كمال مطلق، فالعلم: كمال مطلق يمدح به العالم مدحا مطلقا، وقبل كل ذلك قد جاء الدليل السمعي الصحيح بإثباتها فصح إجراء القياس العقلي تبعا للنص كما تقرر ذلك في المقدمات.
فليس علم الله، عز وجل، مجرد علم لما يقع من أفعال العباد، فهذا جزء من معناه، وإنما هو عالم ما الخلق فاعلوه بعلم متعلق بحكمته التي تعجز العقول عن إدراكها، وقدرته التي لا يعجزها شيء.
وأما القدير فهو متعلق بالمرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة: الخلق، فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير، وعليه صح أن يقال: القدر من التقدير، (المتعلق بـ: القادر)، و القدرة، (المتعلقة بـ: القدير).
فبدايته في التقدير بعلم أزلي محيط مؤثر في كل المقدورات، ونهايته في القدرة الموجدة لهذه المقدورات.
وبقي اسم: "المقتدر": فهو جامع لكلا الاسمين السابقين، فالمقتدر هو: القادر المقدِر للخلق قبل إيجاده، القدير الموجد لهذا الخلق.
تماما كما قيل في اسم: "المليك" فهو جامع لاسمي: المالك، لأعيان خلقه، الملك: المتصرف فيهم بمقتضى حكمته التي بهرت العقول.
ولعل ذلك هو سر اقتران الاسمين: المليك والمقتدر، في قوله تعالى: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)، لدلالتيهما المزدوجتين.
¥