تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واستكمالا لفوائد المداخلة السابقة:

وهي فائدة تتعلق بمبحث في علم البلاغة، وكثيرا ما يعرج عليه الأصوليون في مسائل بحث: "العام وأنواعه".

فقوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، قد يقال بأنه من: "العام الذي أريد به الخاص"، فـ: "ما" في: (ما يشاء): تفيد العموم ابتداء، فيمحو ويثبت كل ما يشاء، ولكن هذا العام قد خص بكونه: مما يقبل المحو والإثبات، فيقال بأنه: عام قد خص بدلالة العقل، كما في قوله تعالى: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)، أي: وأوتيت من كل شيء مما يؤتى الملوك من جاه وعظمة ...... إلخ، أو يقال بأنه قد خص بنصوص أخرى دلت على أن ما في اللوح المحفوظ: مبرم لا يقبل المحو أو التغيير.

ومع:

26_ الوتر:

وهو اسم من الأسماء التي اجتهد الشيخ المؤلف، حفظه الله، في تتبعها في كتب التراث التي أجرى بحثه القيم عليها، فلم يرد هذا الاسم الذي قد يبدو غريبا على بعض القراء للوهلة الأولى، في القرآن الكريم، وإنما ورد في السنة في مواضع منها:

حديث علي، رضي الله عنه، مرفوعا، من طريق عاصم بن ضمرة السلولي: (يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر).

وحديث أبي هريرة، رضي الله عنه، من طريق أبي الزناد عن الأعرج رواية: (لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ)

والوتر في اللغة:

هو الفرد، وإن شئت أن تعرفه بضده فهو: ما لم يتشفع، فهو ضد الشفع، فالأول يفيد الأحدية، والثاني يفيد الزوجية.

والتواتر في اللغة يأتي بمعنى: التتابع، فيقال جاء القوم تترى، أي متتابعين، وفي التنزيل: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى)، يقول أبو السعود رحمه الله: "أي متواتِرينَ واحداً بعد واحدٍ من الوِتْرِ وهو الفَردُ". اهـ

ومنه قيل للخبر المتواتر: متواتر، لأن رواته قد تتابعوا على روايته، فارتقى من مرتبة الظنية إلى مرتبة القطعية، على ما تقرر في علم المصطلح.

وقيل في تفسير قوله تعالى: (والشفع والوتر): الوتر هو: الله الواحد، عز وجل، والشفع: هو بقية الخلق خلقوا أزواجا.

والله، عز وجل، وتر، قد استغنى عمن يشفعه، بل إن صلاح هذا الكون إنما هو بتوحيد المعبود، جل وعلا، وفي التنزيل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فصحت الشرطية، وإن كان الشرط: فيهما آلهة إلا الله، وجوابه: لفسدتا، باطلين، لأن تعدد الآلهة يعني تعدد الإرادات المدبرة للكون، فإذا اختلفت وقع الفساد في الكون، فإذا أراد أحدهم تحريك شيء، وأراد الآخر تسكينه، تعارضت إرادتاهما، واستحال الجمع بينهما لأن الحركة والسكون: نقيضان: لا يجتمعان ولا يرتفعان عن الشيء الواحد في نفس الوقت، فإما: متحرك وإما ساكن، وإن ارتفعت الإرادتان، وهو أمر مستحيل في هذه الصورة، على ما تقرر من استحالة رفع النقيضين، لزم من ذلك عجز كل منهما عن إنفاذ أمره، والعاجز لا يكون ربا نافذ المشيئة تخضع ذرات الكون لإرادته المطلقة، ولو افترضنا توافق الإرادتين، فإن ذلك لا يرفع الإشكال لأن كل منهما عاجز عن إنفاذ أمره دون موافقة الآخر، فصار مفتقرا إليه من هذه الجهة، تماما كما يقال في أي مستند دنيوي في حياتنا يحتاج إلى تأشيرة أكثر من مسئول لا تتعارض آراؤهم، فرغم عدم التعارض، فإن المستند لا يصير نافذ المفعول إلا باجتماع تأشيراتهم عليه، وهذا أمر مستحيل في حق الرب الإله الفرد، جل وعلا، فلا شريك له يفتقر إلى رضاه عن أفعاله وأقداره، وإنما له الهيمنة المطلقة على كل أقدار كونه، لا يشاركه أحد فيها، وهذه "الوترية" في تدبير أقدار الكائنات من المعاني الأصلية لهذا الاسم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير