تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعلماء يقولون: التمانع في الربوبية وتدبير الكون يدل على التمانع في الألوهية، فلازم "وتريته" في التدبير الكوني: "وتريته" في التدبير الشرعي، فلا حكم شرعي إلا له، كما أنه لا حكم كوني إلا له، فلا حلال إلا ما أحله، وإن حرمه غيره، ولا حرام إلا ما حرمه، وإن أحله غيره، لأنه، عز وجل، وتر، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، لتمام علمه وحكمته.

يقول ابن أبي العز، رحمه الله، في "شرح الطحاوية" معلقا على قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ):

(فَتَأَمَّلْ هَذَا الْبُرْهَانَ الْبَاهِرَ، بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ الظَّاهِرِ. فَإِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا فَاعِلًا، يُوصِلُ إِلَى عَابِدِهِ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضُّرَّ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ آخَرُ يُشْرِكُهُ فِي مُلْكِهِ، لَكَانَ لَهُ خَلْقٌ وَفِعْلٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرْضَى تِلْكَ الشَّرِكَةَ، بَلْ إِنْ قَدَرَ عَلَى قَهْرِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ وَتَفَرُّدِهِ بِالْمُلْكِ وَالْإِلَهِيَّةِ دُونَهُ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْفَرَدَ بِخَلْقِهِ وَذَهَبَ بِذَلِكَ الْخَلْقِ، كَمَا يَنْفَرِدُ مُلُوكُ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمُلْكِهِ، إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْمُنْفَرِدُ مِنْهُمْ عَلَى قَهْرِ الْآخَرِ وَالْعُلُوِّ عَلَيْهِ. فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ.

وَإِمَّا أَنْ يَعْلُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ قَهْرِ مَلِكٍ وَاحِدٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ وَحْدَهُ هُوَ الْإِلَهُ، وَهُمُ الْعَبِيدُ الْمَرْبُوبُونَ الْمَقْهُورُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَانْتِظَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَإِحْكَامُ أَمْرِهِ، مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَمَلِكٌ وَاحِدٌ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ، لَا إِلَهَ لِلْخَلْقِ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ لَهُمْ سِوَاهُ. كَمَا قَدْ دَلَّ دَلِيلُ التَّمَانُعِ عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ، فَذَلكَ تَمَانُعٌ فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ، وَهَذَا تَمَانُعٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ. فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ رَبَّانِ خَالِقَانِ مُتَكَافِئَانِ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ)

فلا رب خالق رازق إلا الله مقتضاها: لا إله حاكم إلا الله، يحكم ما يريد، لا ينازعه حكمه إلا طاغوت ليس له من أمر تدبير الكون شيئا، ومع ذلك ينازع من له التدبير المطلق: ملكه، فيدعي له من سلطان الحكم ما يدعي، مع أنه، عاجز عن تدبير أمر بوله وغائطه، فكيف بتدبير أمر غيره، فكيف بتدبير أمر الكون بأسره؟!!!!

ولأجل ذلك كان ادعاء الصاحبة والولد لله، عز وجل، سبا له، تعالى وتقدس عنه، لأنه نفي لوتريته، فالزوجة لا تكون إلا من جنس زوجها، والولد لا يكون إلا من جنس أبيه، والله، عز وجل، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، والزواج، في أصله، وإن كان كمالا في حقنا، لا ينفك عن نقص مطلق ينافي الغنى المطلق: مقتضى وتريته، عز وجل، لأن الزوج لا يأنس إلا بزوجه، وكذلك الولد فهو كمال من جهة كونه: قرة عين لأبيه، ولكنه لا ينفك هو الآخر عن نقص مطلق، فالأب يحتاج إليه في إبقاء نسله، وإعانته على قضاء حوائجه وإدارة شئونه، ورعايته إذا تقدم به العمر ......... إلخ، وكلها معان منتفية عن الإله الحق، جل وعلا، ولهذا رد الباري، عز وجل، هذه الفرية بقوله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فكيف يكون له صاحبة وولد، وهو الذي تفرد بالخلق، فما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير