تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والفرق بين: القاهر والقهار، كالفرق بين: الرازق والرزاق، فالأولان يدلان على المعنى الكلي المطلق، فهو قاهر رازق إجمالا، والآخران يدلان على كثرة آحاد المقهورين والمرزوقين، باعتبار الكم أو الكيف.

فالله، عز وجل، قاهر رازق إجمالا، يقهر ويرزق كل الكائنات، وباعتبار قهره ورزقه لفلان وفلان وفلان ................ إلخ، هو: القهار الرزاق، أو باعتبار قهره: للكفرة والفجرة والظلمة ..................... إلخ، (وكلها أنواع يندرج تحتها أفراد لا يحصي عددهم إلا الباري عز وجل)، ورزقه للفقراء والمساكين والأغنياء والأجنة في بطون أمهاتها والأطفال والرجال والذكور والإناث ............... ، (وكلها، أيضا، أنواع يندرج تحتها أفراد لا يحصي عددهم إلا الباري عز وجل).

ويشبه ذلك إلى حد كبير: الفرق بين: "عالم الغيب"، و "علام الغيوب"، فهو عالم الغيب: إجمالا، فـ: "أل" في "الغيب": جنسية استغراقية فهي دالة على جنس الغيب، مستغرقة لآحاده، فناسب "عالم": "الغيب" باعتبار المعنى الكلي الواحد، وهو واحد لا يتجزأ، وهو "علام الغيوب"، باعتبار آحادها، فهو يعلم آجال عباده إجمالا، فقد كتبها في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وتفصيلا يعلم: أجل فلان وفلان وفلان .............. إلخ، فهو من هذا الوجه: (علام لآجال أولئك الآحاد)، فناسب "علام": "الغيوب" باعتبار المعنى الجزئي المتعدد.

ومع:

34_ الحق:

فالحق في اللغة: اسم فاعل من: حق يحق حقا.

والحق يأتي بمعنى:

المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال: فيقال هذا الدين: حق، لا يزول إلى قيام الساعة، فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجة.

و: العدل خلاف الباطل والظلم.

و: الاعتقاد الصحيح، فيقال: اعتقدت أن الله، عز وجل، هو الإله المعبود بحق.

وقد ورد الحق في القرآن الكريم بمعان كثيرة منها: الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن، ومنه قوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ)، والحقيقة، والحساب والجزاء، ومنه قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ).

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} قال ابن عباس: {دِينَهُمُ} أي: حسابهم، وكل ما في القرآن {دِينَهُمُ} أي: حسابهم. وكذا قال غير واحد. اهـ

والحق، سبحانه وتعالى، هو المتصف بالوجود الدائم، الأزلي الأبدي، فلا يزول ولا يحول، وكل أوصاف الحق جامعة للجلال والجمال الدائمين بديمومة الذات القدسية، فهو حق في: ذاته، حق في أسمائه، حق في صفاته، حق في أفعاله، دينه الحق، وحكمه الكوني والشرعي حق، فلا شرعة أكمل من شرعته، ووعده الحق، فلا يتخلف إذا استوفى العبد شروطه وانتفت موانعه، وهذه قاعدة مطردة في كل نصوص الوعد، فلا يستحق العبد موعود الرب، جل وعلا، الذي تفضل به ابتداء، إلا باستيفاء شروطه وانتفاء موانعه، وأعظمها: الشرك، فهو محبط لكل عمل صالح، وإن جاءت النصوص ببيان ثواب ومنزلة فاعله، وفي التنزيل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، و: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، و: (إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)، والكريم هو الذي لا يتخلف وعده، على التفصيل السابق، بل قد يتخلف وعيده، فضلا منه ومنة، فيكون العبد مستحقا للعقوبة، فيعفو عنه سيده ومولاه، وهذا خلاف من قال بإيجاب الثواب والعقاب على الباري، عز وجل، فأوجبوا عليه ثواب المطيع وعقاب العاصي، وكأن المطيع قد أطاع ابتداء دون توفيق الباري، عز وجل، وكأن العاصي لا مطمع له في عفوه، عز وجل، إن مات على التوحيد، فمذهبهم: يدعو الأولين إلى العجب والمنة على الباري، عز وجل، بأعمالهم، وفي التنزيل: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ويدعو الآخرين لليأس والقنوط من رحمة الله، عز وجل، وفي التنزيل: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، فأين أولئك من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وعمومه مخصوص بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، في حق من مات، أما الحي، فإن الله، يغفر له، إن استغفر، كل الذنوب، بما فيها الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، بل ويبدل سيئاته حسنات، فأي فضل ومنة بعد ذلك من الرب الغني جل وعلا؟

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير