ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 10 - 2007, 07:06 ص]ـ
ومع:
35_ المبين:
فالمبين لغة: اسم فاعل له جذران لغويان: بان وأبان.
فالأول: لازم، فتقول: بان الحق، أي: ظهر.
والثاني: متعد، فتقول: أبان فلان الحق، أي: أظهره.
والإبانة تأتي بمعنى التميز والانفصال، فيقال للفراق: بين، ويقال للطلاق: بائن، لأن فيهما انفصال الخليلين في الفراق، والزوجين في الطلاق.
والله، عز وجل، مبين بالمعنى اللازم من جهة:
أنه، عز وجل، بائن من خلقه، متميز عنهم، لا يحل في شيء منهم، ولا يحل شيء منهم فيه، فهو العلي فوق عباده علوا حقيقيا، على الوجه اللائق بجلاله، وعلوه، كما تقدم في أكثر من موضع: عام يدل عليه السمع والعقل، وخاص: وهو استواؤه على عرشه استواء يليق بجلاله فهذا لا يثبت إلا بالسمع.
وفي شرح الطحاوية: (فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اللَّهَ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُحِيطَ أَحَدٌ بِحَدِّهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ خَلْقِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُمْ مُبَايِنٌ لَهُمْ. سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: بِأَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، قِيلَ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: بِحَدٍّ، انْتَهَى). اهـ
فالمقصود بالحد هنا: ليس حد إحاطة، فالله، عز وجل، أعظم وأجل من أن يحيط به بصر أو علم مخلوق مصداقا لقوله عز وجل: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ).
وإنما المقصود الحد الذي يلزم منه إثبات علو الباري، عز وجل، على خلقه، فلا يحل ولا يختلط بذواتهم على التفصيل السابق، فلفظ الحد من الألفاظ المجملة التي لا تطلق نفيا ولا إثباتا قبل الاستفسار عن مقصود قائلها، فهي تحتمل حقا يثبت، كما سبق من كلام ابن المبارك، رحمه الله، وباطلا ينفى، إن كان مقصود قائلها: أن الخلق يطيقون الإحاطة بالباري، عز وجل، أو أن كماله المطلق له نهاية، فهذا باطل، إذ لا منتهى لكماله، عز وجل، فقد أعيى العقول إدراك كنه ذاته القدسية وصفاته العلى.
ومن جهة أنه بين لمن طلب الدليل عليه، فالفطرة والعقل والحس والشرع، كلها تدل على وجود، عز وجل، وتمام ربوبيته المقتضية لتمام ألوهيته، فـ:
في كل شيء له آية ******* تدل على أنه الواحد.
ولما سئل الأعرابي ذو الفطرة السوية: ما الدليل على وجود الرب تعالى؟، قال: يا سبحان الله، إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!!.
بل هو، عز وجل، عند التحقيق، الدليل على كل شيء، فكيف يستدل على الدليل بمدلوله، وقد أثر عن ابن تيمية، رحمه الله، أنه كان يتمثل بقول الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء ******* إذا احتاج النهار إلى دليل.
يقول البيهقي رحمه الله: (المبين له معان منها: أنه بين لذوي العقول، ومنها أن الفضل يقع به، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه، ومنها أن الهداية إليه). اهـ
وهو، عز وجل، مبين، بالمعنى المتعدي من جهة:
أنه قد أبان الحق لخلقه، وأقام عليهم الحجة بإرسال الرسل مصداقا لقوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وآخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ).
ومع:
36_ القوي:
فالقوي في اللغة: صفة مشبهة للموصوف بالقوة من قوي تقوى قوة.
والقوة هي القدرة على إحداث الفعل، وقد يفرق بين القدرة والقوة من جهة:
أن كل قوي من ذوي الشعور فهو قادر، وليس كل قادر قويا.
وأن القوة يوصف بها من يشعر ومن لا يشعر، فتقول: زيد قوي، و: الريح قوية، بينما القدرة لا يوصف بها إلا ذو الشعور فتقول: زيد قادر، ولا تقول: الريح قادرة.
بتصرف من "شرح الواسطية"، للشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، ص125.
¥