تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحدهما: لازم، وهو الثلاثي: حي، فيفيد وصف الباري، عز وجل، بالحياة، وصفا ذاتيا معنويا لا ينفك عنه، فلا تتعلق حياته، عز وجل، بمشيئته، وإلا لصح أن يقال: هو حي إذا شاء، وإذا شاء مات أو أمات نفسه، فصح بذلك مذهب النصارى الفاسد في فداء الرب تبارك وتعالى بني آدم بنفسه القدسية على خشبة الصلب، كما يزعم من لا نقل ولا عقل عنده، فالموت صفة نقص مطلق، تعالى الباري عز وجل، أن يتصف بها، لما فيها من معنى: الفناء والهلاك والتحلل .......... إلخ من المعاني التي لا تليق إلا بذوات المخلوقين الفانية، والموت، وإن دخله الكمال من بعض جهاته، كأن يقال بأن موت الشهيد كمال في حقه، إلا أن النقص الملازم له لا ينفك عنه بأي حال من الأحوال، فالشهيد قد فارقت روحه جسده، فزالت صفة الحياة عنه، وإن كان حيا عند ربه، عز وجل، مصداق قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)، وقوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، إلا أن هذه الحياة: حياة برزخية لا تجري عليها أحكام الحياة الدنيا، بدليل: ترمل امرأته وتقسيم إرثه ............... إلخ من أحكام الميت، والأصل في أحكامه أنها: كأحكام غيره من الأموات، إلا ما دل النص على اختصاصه به، فثبت أن وصف الموت، مع ما فيه من النقص المطلق، لا يفارق أحدا من الخلق، فالخلق كلهم أموات قبل إخراجهم إلى هذه الدنيا، سائرون في رحلة العمر نحو مصير واحد هو: الأجل المحتوم، فقبل الحياة موت، وبعدها موت، مصداق قوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، بل إنهم يحملون الموت في أحشائهم في كل لحظات حياتهم، فخلايا أجسادهم تموت وتتجدد باستمرار، فأجسادهم تعالج الموت في كل وقت، فلا ينفك أحد عن وصف الموت، فضلا عما يلحقهم أبدانهم من إعياء يسلمهم إلى الموتة الصغرى: النوم، وفيه يضعف اتصال الروح بالبدن، فيعاين منكرو البعث ما ينكرونه كل يوم، فينشرهم الباري، عز وجل، بالنهار، بعد أن أماتهم بالليل ومع ذلك ينكرون قدرته على بعث الأجساد ونشرها، مع أنه يبعثها وينشرها كل يوم مصداق قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

فأي نقص بعد هذا: موت قبل الوجود، وموت بعده، وموت خلاله، فضلا عما يعتري حياة المخلوق من غفلة، وسنة، وإعياء، ولغوب، ومرض ............. إلخ من عوارض نقص الحياة.

فالميت لا يصلح أن يكون إلها، لأن الميت عاجز عن تدبير أمر نفسه، فهو لا يقدر على تغسيل بدنه ودفنه، فضلا عن تدبير أمر الكون!!!!، وفي أثر الزجاجتين اللتين أخذهما موسى، صلى الله عليه وسلم، وقام عليهما يقظا، حتى غلبته عيناه فانكسرتا، فعرفه الباري، عز وجل، ما يقع في الكون إن غفل، عز وجل، عن تدبير أمره، فيه، على ضعف إسناده، دليل على أن انتظام أمر هذا الكون على هذا الشكل البديع والنمط الدقيق وفق سنن كونية محكمة، هو في حد ذاته، دليل على حياة الرب، عز وجل، حياة كاملة، أزلية، أبدية، لا يعتريها النقص بأي حال من الأحوال، فهي الحي الذي لا يموت، مصداق قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)، فأثبت لنفسه صفة الحياة، وأكدها بنفي صفة الموت، وقد تقدم مرارا، أن باب النفي في الأسماء والصفات، ليس مقصودا لذاته، كما هو صنيع المعتزلة ومن تأثر بهم من المتكلمين، بل هو مقصود لغيره، فالنفي في هذا الباب متضمن لإثبات كمال ضده، فهو الذي لا يموت، لأن له الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، ولا يتخللها نقص، فهي أصل كل حياة، وما ذكر في صفة "الجمال" يطرد في صفة "الحياة"، وفي كل صفات ربنا، تبارك وتعالى، فيقال أيضا:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير