ينبض إلا بتدبيره الكوني، والدماء التي تجري في عروقه لا تجري إلا به، وإفرازات معدته وأمعائه التي تهضم الطعام لا تفرز إلا به ............... إلخ.
والموت في حق الباري، عز وجل، من: "المحال لذاته"، فهو لا يتعلق بقدرة الله، عز وجل، أصلا، لأنه ممتنع في حقه، فضلا عن معارضته الخبر الصحيح، ابتداء، تماما كما لو قيل: هل يقدر الله، عز وجل، على أن يخلق مثله، فالسؤال فاسد من أصله لأنه يلزم منه إثبات الشريك لله، عز وجل، وهذا مخالف للخبر الصحيح فضلا عن كونه ممتنعا في حق الباري، عز وجل، لأنه، أيضا من: "المحال لذاته"، فإن تعلق فإنما يتعلق بعلم الله، عز وجل، تماما كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فتعلق علمه، عز وجل، بأمر محال لذاته، لأنه يستحيل أن يوجد في الكون آلهة تعبد بحق إلا الله، عز وجل، وإن وجدت آلهة باطلة غيره.
وقال تعالى في موضع آخر: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وكل هذا محال لذاته، ومع ذلك أخبرنا الله، عز وجل، بلوازم هذا القول الباطل لو سلمنا جدلا بوقوعه.
والجذر المتعدي هو: أحيى: المتعدي بهمزة التعدية، فهو، عز وجل، حي في ذاته، محيٍ لغيره، فكل حياة إنما تستمد أسبابها منه، وبهذا أجيب عن شبهة بقاء بعض المخلوقات بعد نفخة الصعق، كالشهداء والحور العين ورضوان خازن الجنة وزبانية العذاب، كما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)، فهي، وإن لم تمت إلا أن حياتها مفتقرة إلى الرب، جل وعلا، واهب الحياة لكل حي، فهو الذي أبقاها، بينما حياته، عز وجل هي الحياة الكاملة غير المفتقرة لسبب، فهي حياة باقية في نفسها مبقية لغيرها.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 10 - 2007, 12:22 م]ـ
ومع:
39_ القيوم:
وقد ورد هذا الاسم مقترنا باسم الله عز وجل: "الحي"، وقد اعتبر بعض العلماء: القائم والقيم والقيام من الأسماء الحسنى، وليست كذلك، لأنها وردت مضافة مقيدة، فمن ذلك:
قوله تعالى: (أفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، فقيد اسم: "القائم" بكونه قائما على كل نفس بما كسبت، يحصيه عليها، وهذا، وإن كان من معاني اسم: "القيوم" الذي ورد مطلقا، كما سيأتي إن شاء الله، إلا أن ذلك ليس كافيا لإثبات الاسم مطلقا، وإن كان دالا على صفة ثابتة لله عز وجل.
ودعاؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قيام الليل من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وفيه: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ .............. ).
وجاء "القيام" في قراءة شاذة، لم يصح سندها، عن عمر، رضي الله عنه، فلا تقوم بها حجة، أشار إليها البخاري، رحمه الله، في كتاب التفسير، في تفسير سورة نوح، بقوله:
{دَيَّارًا}
مِنْ دَوْرٍ وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنْ الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ عُمَرُ الْحَيُّ الْقَيَّامُ وَهِيَ مِنْ قُمْتُ وَقَالَ غَيْرُهُ دَيَّارًا أَحَدًا.
والقيوم في اللغة من صيغ المبالغة، وهو كـ: المبين والحي: ثنائي الجذر اللغوي، فجذراه:
قام اللازم، وعليه يقال بأن القيوم: دل على صفة القيام الذاتية، الثابتة لله، عز وجل، فالله، عز وجل، قائم بذاته، مستغن عمن سواه، بل كل ما سواه مفتقر إليه من جهة إمداده بأسباب القيام والبقاء، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في شرح اسم: "الحي".
وهو، عز وجل، القائم على عباده، بما كسبوا، فيحصي عليهم أعمالهم، ليجازيهم عليها، وفي التنزيل: (أفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، أي: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت خير أم من لا يملك تدبير أمر نفسه فضلا عن تدبير أمر غيره وإحصاء عمله ........ إلخ من الأمور التي تفرد بها الباري، عز وجل، فهي من لوازم ربوبيته العامة المقتضية لوجوب إفراده بالإلهية، فلا إله معبود بحق سواه، لأنه لا رب مدبر سواه.
وفي الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).
والجذر الثاني هو: أقام المتعدي، فهو، عز وجل، باعتبار ذاته: قائم بنفسه، وباعتبار فعله: مقيم لغيره، فكل الكائنات تستمد أسباب قيامها وبقائها منه جل وعلا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.
وكما قيل في اسم الله: "الحي"، يقال في اسم الله: "القيوم"، فجميع الأسماء الحسنى تدل على صفة القيومية باللزوم ما عدا اسم القيوم فإنه يدل عليها بالتضمن، ولذا كان الراجح أن هذين الاسمين: "الحي القيوم" مقترنين هما اسم الله، الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، لأنهما يجمعان كمال الأوصاف والأفعال الثابتة لله، عز وجل، فكمال الأوصاف من كمال: "الحي"، وكمال الأفعال من كمال: "القيوم".
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥