هل تقصد نفي تحيز الباري، عز وجل، في الجهة المخلوقة التي نراها، فهذا حق.
أم تقصد نفي علو الله، عز وجل، بنفي الجهة غير المخلوقة، التي يلزم من إثباتها إثبات أن الله، عز وجل، بائن من خلقه، فلا يحل فيهم حلولا خاصا: كما ادعى النصارى، أو عاما: كما ادعى الحلولية، ولا يتحد بذواتهم: اتحادا خاصا أو عاما، كما ادعى الاتحادية من غلاة الصوفية، وفي هذا من وصف الله، عز وجل، بالنقص ما فيه، إذ كيف يوصف من لا يحيط العقل به علما، ولا تدركه العين بصرا وإن رأته يوم القيامة، كيف يوصف بأنه يحل أو يتحد بذات مخلوقة محدودة فيها من النقص ما فيها؟!!!!!، فإن قصد نفي هذا العلو فهو مبطل أيما إبطال.
وكذا يقال في لفظ المكان: فالمكان المخلوق ذو الأبعاد والمحاور الفراغية الذي يخضع لأحكامنا العقلية وأقيستنا المنطقية منفي، والمكان الغيبي غير المخلوق الذي لا يخضع لحكم العقل أو قياس منطق: مثبت.
وحل الإشكال إنما يكمن في قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
فـ: "ليس كمثله شيء": نفي لأقيسة التمثيل والشمول الفاسدة.
و: "هو السميع البصير": إثبات لصفات الباري، عز وجل، بعد الاحتراز من قياس صفاته على صفات خلقه بـ: "ليس كمثله شيء".
يقول ابن خزيمة رحمه الله: (والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه وأعلمنا أنه العلي العظيم، أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء وفي أجواف جميع الحيوان!!!!، ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها، لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون، وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم). اهـ
وبقيت الإشارة إلى مسألتين مهمتين:
أولاهما: أن علو الله، عز وجل، نوعان:
علو عام: وهو الذي دل عليه اسما: "العلي" و "المتعال"، وهو علو ذاتي لا ينفك عن ذات الباري، عز وجل، القدسية، فلا تعلق له بمشيئته، وإنما هو عال على خلقه، أزلا وأبدا، على وجه يليق بجلاله، علوا لا تدرك العقول كيفيته وإن أدركت معناه الكلي المشترك الذي لا يوجد إلا في الأذهان، وعليه لا يصح أن يقال: الله، عز وجل، عال على خلقه إذا شاء!!!، فهي كما لو قال القائل: الله، عز وجل، حي إذا شاء، فالحياة وصف لازم لذاته القدسية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام على اسم: "الحي"، وكذا العلو.
والعلو العام يدرك بالسمع ابتداء، والعقل يدل عليه وجوبا، فهو من قبيل: الواجب الذاتي، لأن فيه كمالا مطلقا، والكمال المطلق واجب في حق واجب الوجود: الله عز وجل.
وعلو خاص: وهو الذي دل عليه وصف الاستواء، ولم يدل عليه اسم من أسماء الله، عز وجل، دلالة مباشرة، وإن دل عليه الاسمان السابقان: باعتبار معناهما العام، وهو من صفات الأفعال التي تتعلق بمشيئة الباري، عز وجل، خلاف العلو الذي هو من صفات ذاته، وعليه يصح أن يقال: الله يستوي على عرشه إذا شاء، كيف شاء، فلا تدرك العقول كنه استوائه، وإن أدركت معناه، كما جاء في جواب الإمام مالك، رحمه الله، لمن سأله عن كيفية استواء الله، عز وجل، على عرشه.
وهو علو لا يدرك إلا بالسمع، فلا يدل عليه العقل، ولا يمنعه، وإنما يجوزه، فهو من قبيل: الممكن أو الجائز، فلما جاء النص بإثباته، صار واجبا في حق الباري، عز وجل، لأن مجرد اتصافه به، دليل على أنه كمال مطلق، لأنه، عز وجل، منزه عن أن يتصف بصفة نقص، بل له من الكمال أعلاه.
والعلو كالجمال: علو في الذات، وعلو في الصفات، كما أن الجمال: جمال ذات وجمال صفات، فله من كليهما أعلى المراتب وأشرفها تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن كل نقص وعيب.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 10 - 2007, 10:01 ص]ـ
ومع:
41_ العظيم:
فالعظيم في اللغة: صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة.
والكلام في عظمة الباري، عز وجل، يشمل كلا الأمرين:
¥