عظمة الذات: فذات الله، عز وجل، أعظم الذوات، بل لا يدانيها في عظمتها ذات، فهي ذات حقيقية متصفة بالعظمة اللانهائية التي لا يحدها عقل ولا يدركها بصر، وبها قامت صفات ربنا، عز وجل، فهي ذات متصفة بصفات الكمال المطلق، فليست ذاتا مجردة من الصفات، كما ادعى من ادعى من الجهمية والمعتزلة، وليست هي عين الصفات، كما ذهب إلى ذلك بعض أهل الاعتزال، بل الصحيح أن الصفات: قدر زائد عليها، فهي قائمة بها قيام: الصفات بالموصوف، وهذا أمر مشاهد في عالم المخلوقات، فذات المخلوق قد تتصف بأكثر من صفة تمدح بها، فيقال: فلان كريم شجاع عالم فصيح ........... إلخ، مع كون ذاته ذاتا واحدة لا تتعدد بتعدد صفاتها، فلا يخطر ببال عاقل أن إثبات الصفات يلزم منه تعدد بتعددها لأنها لا تقوم بذاتها ليقال بأن إثباتها للباري، عز وجل، يلزم منه: تعدد القدماء، بل لا قيام لها إلا بذات تتصف بها، وكلما ازدادت صفات الكمال التي تمدح بها ازدادت كمالا على كمال، ولله المثل الأعلى، فهو أولى بكل كمال لأنه خالقه، فلا يمتنع، بل يجب، إثبات صفات الكمال المطلق التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الوجه اللائق به، فلا ند له ولا مثيل ولا نظير يحاكيه لتتوه العقول في بيداء التشبيه والتكييف التي تاه فيها الجهمية والمعتزلة ومن سار على دربهم من أرباب الكلام.
وعظمة الصفات: فصفات ربنا، عز وجل، أعظم الصفات وأكملها، فهي صفات حقيقية، على كيفية لا تدركها الأفهام، تماما كالذات القدسية، فالكلام في الأولى فرع الكلام في الثانية، ولله در الناظم إذ يقول:
وما نقول في صفات قدسه ******* فرع الذي نقول في نفسه
فكما تحيرت العقول في عظمة الذات، تحيرت في عظمة الصفات.
وللعظمة جذران لغويان:
لازم: وهو "عظم" وقد سبق الكلام عليه تفصيلا عند الكلام على عظمة الذات والصفات.
ومتعد: وهو أعظم الشيء، إذا جعله عظيما، ومنه قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
فالعظمة إذن من صفات الذات باعتبار معناها اللازم، ومن صفات الأفعال المتعلقة بذات الباري، عز وجل، باعتبار معناها المتعدي.
ومع:
42_ الشكور:
فالشكور في اللغة: من صيغ المبالغة: فعول من: شكر يشكر شكرا، وأصل الشكر: الزيادة والنماء والظهور.
والشكر هو: إعطاء الجزيل على القليل، فالله، عز وجل، يشكر عمل عبده القليل، إذا أخلص النية وكان العمل موافقا لما شرعه، فينميه له، ويجزيه عنه خير الجزاء وأعظمه وأكمله، وعند البخاري من حديث أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مرفوعا: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ).
وقد غفر، عز وجل، لبغي من بني إسرائيل سقت كلبا، فشكر الله، عز وجل، لها، لما قام في قلبها من داعي الإخلاص الذي حملها على سقي كلب حيث لا يراها إلا الباري، عز وجل، فلم تطلب بعملها محمدة سواه، وشكر، عز وجل، لرجل نحى غصن شوك على الطريق، فغفر له، فأي شكران للطاعة أعظم من ذلك؟، وما حاجة الرب جل وعلا لسقي كلب أو تنحية غصن، وهو الغني، سبحانه، عن كل ما سواه، إلا أنه أراد أن يتفضل على عباده فيشكر أعمالهم ويزيدهم من فضله.
والشكر يباين الحمد من جهات أبرزها:
أن الشكر لا يكون إلا في السراء، بينما الحمد يكون في السراء والضراء.
وأن الشكر يكون لله، عز وجل، ويكون للبشر، فيشرع لمن أسدي إليه معروف أن يشكر صاحبه، بل إن ذلك من تمام شكران الله، عز وجل، بينما الحمد لا يكون إلا لله، عز وجل.
وأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، وفي التنزيل: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، والحمد لا يكون إلا بالقلب واللسان، فبينهما عموم وخصوص مطلق، لأن دائرة الشكر أوسع من دائرة الحمد، فهي تحويه وزيادة.
¥