تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتتعدى هذه النظرة الثنائية إلى نصوص: الوعد والوعيد، فنصوص الوعد من مقتضيات صفات الجمال، ونصوص الوعيد من مقتضيات صفات الجلال، فمن عبد الله، عز وجل، بالوعد فقط: آل أمره إلى الوقوع في بدعة الإرجاء مع ما يصاحبها من تفريط في الواجبات، وجرأة على المحرمات بحجة أن: الله غفور رحيم، ومن عبد الله، عز وجل، بالوعيد فقط: آل أمره إلى الوقوع في بدعة الخوارج مع ما يصاحبها من تشدد وغلو في مسائل التكفير واستحلال الدماء والأموال والأعراض وتقنيط العصاة من رحمة الله، عز وجل، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وأهل السنة، كعادتهم، وسط بين الطرفين، فهم يعبدون الله، عز وجل، بكلا النوعين فلا يغلبون طرفا على طرف، فللوعد مواضع لا يصلح فيها الوعيد، وللوعيد مواضع لا يصلح فيها الوعد، فيعمل بكل في موضعه.

ومع:

44_ الواسع:

فاسم الله الواسع ورد في القرآن:

مطلقا منونا مرادا به العلمية مقترنا باسمه العليم في 7 مواضع منها:

قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ومناسبة ذكر اسم الله، عز وجل، الواسع، واضحة في هذه الآية، فالله، عز وجل، موصوف بسعة الذات، على الوجه اللائق بجلاله، وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (السماوات السبع، والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن كخردلة في يد أحدكم)، فأينما ولى المصلى وجهه فثم جهة الباري عز وجل، فقد أحاط بالكون، إحاطة الخالق بالمخلوق.

وعند الترمذي من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا قَالُوا إِذَا صَلَّى فِي الْغَيْمِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُ بَعْدَمَا صَلَّى أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ. اهـ

فإذا اجتهد في غيم فغلب على ظنه أن القبلة إلى جهة معينة، فصلى إليها، ثم بان له خطأ اجتهاده، فصلاته صحيحة، خلاف ما لو صلى ابتداء بلا اجتهاد فبان خطؤه، فصلاته غير مجزئة، أو اجتهد في موضع يمكنه فيه معرفة جهة القبلة يقينا، كمدينة أو قرية فيها مساجد معلومة القبلة، فاجتهاده في هذه الصورة منزل منزلة: الاجتهاد في مقابل النص القطعي، فيكون فاسد الاعتبار، كما لو اجتهد فصلى إلى غير القبلة، فجاءه خبر قطعي عنها فإنه يرجع إلى ذلك الخبر الذي ينزل منزلة النص المقدم على كل اجتهاد، كما في حديث تغيير القبلة واستدارة المصلين في مسجد ذي القبلتين إلى جهة البيت الحرام بعد أن ابتدءوا صلاتهم إلى جهة بيت المقدس، بخلاف ما لو كان المخبر في هذه الصورة إنما يخبر عن اجتهاد هو الآخر، فلا يلزمه الرجوع عن اجتهاده إلى اجتهاد غيره، بل إنه لا يجوز له ذلك.

ولو تغير اجتهاده من صلاة لأخرى، فصلاته الأولى صحيحة، والثانية، أيضا، صحيحة، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، بل له أن يجتهد داخل الصلاة الواحدة، فيستدير إلى الجهة التي ترجح عنده أنها جهة القبلة.

وهو مع سعته، عز وجل، عليم بما قام بقلب كل مصل، فنوايا العباد ومكنونات صدورهم لا تخفى عليه.

ومقيدا في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)

واللمم: كل شيء بين حدي: الدنيا والآخرة، كما في أثر ابن عباس، رضي الله عنهما، من طريق العوفي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير