تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمناسبة ذكر سعة المغفرة هنا، أيضا، واضحة، فالمغفرة صفة من صفات الله، عز وجل، والصفة تتبع الموصوف، فكما أن ذاته، عز وجل، متصفة بالسعة، فكذا صفاته، فمغفرته واسعة لكل كافر وعاص، فلو تاب الكافر قبل الغرغرة قبلت توبته، ولو تاب العاصي قبلت توبته من باب أولى، ولو مات الكافر على كفره، لم تقبل له توبة أبدا، لأن الكفر هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله، عز وجل، لصاحبه إذا مات عليه، وعليه حمل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، وأما مرتكب الكبيرة، أو: الفاسق الملي ذو العصيان، كما أطلق عليه بعض المتأخرين، فإنه تحت المشيئة إن مات قبل التوبة، فإن شاء الباري، عز وجل، عفا عنه، وإن شاء عذبه عذابا غير أبدي حتى يطهر من دنس معصيته، ومآله إلى الجنة لأن معه أصل الإيمان، أو: مطلق الإيمان، وإن تخلف وصف: الإيمان المطلق في حقه.

والواسع في اللغة: اسم فاعل لمن اتصف بالوسع، وقد يطلق على الغنى فيقال: فلان ينفق من سعة.

وكلا المعنيين صحيح في حق الباري، عز وجل، فهو متصف بالوسع: ذاتا وصفاتا، وهو الغني الذي لا ينفد ما عنده، وفي الحديث القدسي: (لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ).

والسعة كـ: العظمة والجمال: تطلق على الذات والصفات، كما تقدم، على الوجه اللائق بالله، عز وجل، فله ذات لا مثيل لها ولا نظير في سعتها وعظمتها، وله صفات، لا نظير لها، أيضا، في السعة والعظمة، وإن اشتركت مع صفات خلقه في معانيها الكلية.

ومن لطائف هذا البحث:

سر اقتران اسم الله: "الواسع"، باسمه: "العليم" في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وهو ما أشار إليه ابن القيم، رحمه الله، فقال ما معناه: أنه لا تستبعد هذه المضاعفة في حق من اتصف بالوسع، فهو يعطي الجزيل على القليل، ويضاعف الحسنات، ومع ذلك فإن هذه المضاعفة لا تحصل لكل منفق، بدليل أن كثيرا من المنفقين لا تقبل صدقاتهم أصلا فضلا عن مضاعفتها، فإنه، عز وجل، عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة، فهو يعطي بمقتضى سعته وكرمه، ويمنع بمقتضى حكمته وعدله.

ولما كان اسم الواسع متعلقا بذات الباري، عز وجل، وصفاته، كان وصف: الوسع، وصف ذات وفعل، فهو ملازم للذات القدسية لا ينفك عنها، وصفاته الفعلية المتعلقة بمشيئته، توصف، أيضا، بالوسع فهو: واسع المغفرة، واسع الحلم، واسع الرضا إذا رضي عن عبده المؤمن، واسع السخط إذا سخط على عبده الكافر .............. إلخ، فالأمر مطرد في كل أوصافه، عز وجل، ذاتية كانت أم فعلية، معنوية كانت أم خبرية.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 10 - 2007, 09:24 م]ـ

ومع:

45_ العليم:

فقد أشار الشيخ، حفظه الله، إلى عدة أسماء دلت على صفة العلم، كـ: "علام" و "أعلم"، ولكنها لم تستوف شروط الأسماء المطلقة، لأنها لم ترد إلا مقيدة في مثل:

قوله تعالى: (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، فهو مقيد بـ: "الغيوب"، والحصر المستفاد من التوكيد بـ: "أنت": حصر حقيقي يفيد اختصاصه، عز وجل، بعلم الغيب المطلق، فلا يطلع عليه إلا من شاء من خلقه، مع استئثاره، عز وجل، بغيوب، لا يعلمها إلا هو، كالمكتوب في اللوح المحفوظ من الآجال المبرمة، خلاف الآجال المعلقة المكتوبة في الصحف التي بأيدي الملائكة، وفي دعاء تفريج الكروب: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير