قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي)، وفي حديث الشفاعة الطويل: (فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ يُلْهِمُنِيهِ اللَّهُ)، وفي رواية أحمد في المسند من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (فَأَحْمَدُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي)، فهي محامد لا يعلمها إلا الله، عز وجل، يعلمها نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك الموقف العظيم.
فلا اطلاع لأي أحد، كائنا من كان، على الغيب المطلق الذي استأثر به الله، عز وجل، خلاف ما يقوله من غلا في المشايخ والأئمة فادعى لهم من العلوم ما اختص به الباري، عز وجل، نفسه.
وقد نص الله، عز وجل، في كتابه على جملة من هذه الغيوب المطلقة فقال جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وقد يكون الحصر إضافيا من جهة أن البشر قد يوصفون بالعلم، فيقال: فلان: عالم، أو علامة، إذا كان غزير العلم، ولكن يبقى أن وصفه بهذا إنما يصح في مقابل أفراد جنسه، بخلاف علم الباري، عز وجل، فكل ما عداه من علوم البشر قاصر، حادث بعد جهل، فكل العلوم التجريبية الحديثة لم تظهر هكذا دفعة واحدة، وإنما سبقها العديد من التجارب والمحاولات حتى استقرت على صورتها الحالية، مع كونها عرضة للخطأ والطعن والتعديل بالحذف والإضافة، ويوما بعد يوم، يكتشف الإنسان أشياء جديدة يعرف بها مقدار ما كان عليه من جهل.
فالخالق، عز وجل، والمخلوق، كلاهما يوصف بـ: "العلم"، ولكن شتان ما بين علم كامل أزلي أبدي، وعلم ناقص حادث فان.
وقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
فقيد بـ: محل الرسالة، فهو منصوب بـ: "يعلم"، مقدر دل عليه المذكور: "أعلم".
وقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
فقيد بـ: ما في أنفسهم.
وقوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)
فقيد بـ: ما لبثوا.
وقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)
فقيد بـ: عملهم.
وقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
فقيد بـ: إيمانهن.
والعليم من: أبنية المبالغة من: علم يعلم علما، وأبسط تعريف له هو تعريفه بنقيضه: الجهل، فهو: نقيض الجهل، إذ لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما: عالم بالمسألة وإما جاهل.
وخلافا لتقسيمات الأصوليين المتأخرين، وهي مصطلحات حادثة، فإن دائرة العلم أوسع من دائرة العلم الذي اصطلحوا عليه إذ قصروه على الإدراك الجازم، وترتب على ذلك ما ترتب عليه من الكلام في حجية خبر الآحاد، وهل يفيد العلم، أم يفيد: الظن الراجح، فلا يحتج به في العلميات، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من المتكلمين، وتحرير المسألة: أن محل النزاع في دلالة خبر الآحاد وهل يفيد العلم أو الظن شيء، والاحتجاج به في العلميات والعمليات على حد سواء شيء آخر، فخبر الآحاد يفيد ابتداء: الظن الراجح الموجب للعلم والعمل، كما أشار إلى ذلك ابن عبد البر، رحمه الله، فهو حجة في العقائد والشرائع، وأدلة ذلك أكثر من أن تحصى في هذه العجالة.
وأما العلم في نصوص الشارع، عز وجل، فإنه يشمل:
الإدراك الجازم، وهو الأصل المطرد، كما في قوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا)، فلا يتصور أن المعنى هنا: غلب على ظن الله، عز وجل، ظنا راجحا، أنكم ستذكرونهن!!!!.
¥