تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويشمل أيضا: الظن الراجح الموجب للعمل سواء أكان العمل قلبيا: كتصديق خبر ونحوه، أم بدنيا، كامتثال أمر من صلاة وحج وجهاد .................. إلخ، كما في قوله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)، فلا اطلاع لأحد على مكنون قلوبهن ليقال بأن العلم هنا هو: الإدراك الجازم، إذ لا يعلم ما في القلوب إلا خالقها، عز وجل، ومع ذلك أوجب هذا الظن الراجح قبول بيعتهن على الإيمان، فاكتفي بالظن الراجح في قبول أصل الدين، الذي لا يصح إلا به، فكيف لا يكتفى به في بقية الأصول، بزعم أنه يفيد الظن، والظن مذموم شرعا؟!!!!.

وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة: التفريق بين حقائق ألفاظ النصوص اللغوية، والحقائق العرفية التي اصطلح عليها المتأخرون، فـ:

"الظن" على سبيل المثال يرد في معرض الذم في نصوص الوحي كما في: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، و: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) ......... إلخ، بينما عنى به المتأخرون من الأصوليين درجة من درجات العلم، وإن لم يكن جازما، فهو غير مذموم في اصطلاحهم، بدليل أنهم مجمعون على العمل به في الفروع، وإنما حصل الخلاف في العمل به في الأصول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فيخلط من يخلط، عمدا أو جهلا، بين الأمرين، فيقول: خبر الآحاد يفيد الظن، (بالمعنى الاصطلاحي)، والظن مذموم شرعا، (بالمعنى اللغوي)، بدليل كذا وكذا من الآيات فينقل القارئ أو المستمع من الاصطلاح الحادث إلى أصل الوضع في اللغة ليتوصل بذلك إلى إبطال العمل بخبر الآحاد في العقائد، وهو الأمر الذي صار قاعدة مسلما بها بين جموع المعتزلة ومن سار على دربهم من أرباب الكلام.

بل الظن الذي حاولوا ترويج معناه اللغوي المذموم قد يرد أحيانا بمعنى: العلم الجازم، كما في قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وقوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وقوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)، فلا يعقل أن الظن هنا إنما هو: الظن الراجح الذي لا يصل إلى درجة الجزم، أو: الظن المذموم.

وللعلم جذران لغويان، تماما كما سبق في: "المبين" و "القيوم":

فأصله اللازم: علم، بكسر اللام وتخفيفها، فهو بهذا الاعتبار من الصفات الذاتية المعنوية التي أثبتها الباري، عز وجل، لنفسه، ولم يقع الخلاف في إثبات هذه الصفة بين عموم طوائف الأمة، اللهم إلا غلاة النفاة من الباطنية والفلاسفة والجهمية، لأن العلم، كمال مطلق، يمدح المتصف به بإطلاق، وسبق مرارا، أن مقتضى قياس الأولى في هذا الموضع هو أن: كل كمال مطلق لا يلحقه أي نقص من أي وجه من الوجوه، اتصف المخلوق به، فالله، عز وجل، أولى به، على كيفية لا تدركها العقول، فضلا عن كون خالق الكمال أولى به، والنص قد ورد بإثباته لله، عز وجل، ابتداء، فلا يتصور فيه إلا الكمال المطلق، وإنما القياس تبع في هذا الباب لا أصل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير