تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول شارح الطحاوية رحمه الله: (وَكُلُّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، ثَبَتَ نَوْعُهُ لِلْمَخْلُوقِ وَالْمَرْبُوبِ الْمُدَبَّرِ-: فَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ وَرَبِّهِ وَمُدَبِّرِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، وَأَنَّ كُلَّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَا تَضَمَّنَ سَلْبَ هَذَا الْكَمَالِ، إِذَا وَجَبَ نَفْيُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ -: فَإِنَّهُ يَجِبُ نَفْيُهُ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى). اهـ

"شرح الطحاوية"، ص69.

وصفة العلم تدل بدلالة اللزوم على الحياة والقيومية، إذ كيف يقوم العلم بموات أو جماد، والقيوم الذي أقام عباده، خلقا ورزقا ......... إلخ، وقام على أعمالهم يحصيها عليهم مع سبق علمه بها في الأزل، كيف لا يكون عليما، فهو عليم باعتبار: العلم الأزلي المؤثر في خلق الكائنات، وعلم الظهور والانكشاف في مثل قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)، فهو العلم الثاني الذي يقتضي الثواب والعقاب، فهو خالق العباد وأفعالهم ابتداء بعلم مؤثر، ومحصي أعمالهم انتهاء بعلم كاشف مظهر، فقد أحاط بكل شيء علما أزلا وأبدا.

وهي دالة، أيضا، بنفس الدلالة على صفة الخلق، لأن الخلق لابد أن يسبق بعلم، كما هو مشاهد في الصناعات في عالم البشر، ولله المثل الأعلى، وبهذا جاء التنزيل في مثل قوله تعالى: (بدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فقرن بين الخلق والعلم إذ لا انفكاك بينهما، وهو دليل بين على أن الله، عز وجل، موصوف على أنه فاعل بإرادة هي مقتضى علمه، عز وجل، إذ العلم والإرادة لا يقومان إلا بذات حية مختارة، ولله المثل الأعلى، وبهذا يفرق الناظر بين الحي الذي يفعل مختارا، والجماد الذي يفعل بطبع أو قوة أودعها الله، عز وجل، فيه، فيقال له: فاعل بالطبع لا الاختيار، فهو مطبوع مجبول على هذا الفعل بمقتضى ما خلق الله، عز وجل، فيه من الأسباب المؤثرة، كالنار، فهي محرقة لأن الله، عز وجل، خلق فيها القدرة على الإحراق، فهي سبب مؤثر فيه، إن شاء الله، عز وجل، أمضاه، فنتج عنه مسبَبه، على الأصل، وإن شاء أبطله معجزة أو كرامة، كما في معجزة الخليل صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ألقاه قومه في النار، فسلبها الله، عز وجل، خاصية الإحراق بل جعلها سببا للبرد والسلامة وهما ضدا مسبَبها: الإحراق، وكما في كرامة أبي مسلم الخولاني، رحمه الله، لما ألقاه الأسود العنسي في النار، فمشى عليها حتى خرج منها سالما، فتعطل السبب كرامة لهذا الولي الصالح.

هذه الفقرة مستفادة بتصرف كبير من كتاب "الرد على المنطقيين" لشيخ الإسلام رحمه الله.

وأصله المتعدي هو:

"علَم"، بفتح اللام وتشديدها، فهي متعدية بتشديد عين الفعل، فتتعدى إلى ثلاثة مفعولات، بعد أن كانت متعدية لمفعولين، كما في قولك: علَم محمد أحمد النحو سهلا.

فالله، عز وجل، موصوف بالعلم صفة ذات لازمة، وبالتعليم صفة فعل متعد، فهو الذي علم آدم الأسماء كلها، وهو الذي علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لم يكن يعلم وامتن عليه بقوله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)، وعلم الخضر، عليه السلام، ما لم يعلمه موسى صلى الله عليه وسلم، وعلم كل الكائنات كيف تحصل أسباب بقائها من: طعام وشراب ونكاح .................. إلخ، وعلم العقلاء من بني آدم فنون العلوم والصناعات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير