تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 10 - 2007, 10:00 ص]ـ

ومع:

47_ الحكيم:

فالحكيم في اللغة: صيغة مبالغة على وزن "فعيل" بمعنى "فاعل"، فالله، عز وجل، حكيم محكِم، قد أتقن كل شيء، وفق سنن كونية، تعمل عمل الأسباب التي تؤدي لمسبَباتها، ما لم يتخلف شرط أو يوجد مانع، فالنار سبب الحريق، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولكن الله، عز وجل، منع إحراقها إبراهيم عليه الصلاة والسلام معجزة، فنزع من السبب تأثيره، كما نزع من السكين تأثير القطع لما امتثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأمر ربه فأرقد إسماعيل عليه الصلاة والسلام ليذبحه.

والحكمة في اللغة تأتي على معان منها:

المنع والإحاطة: ومنها حكمة اللجام التي تمنع الدابة من الانفلات، ومنه قول حسان رضي الله عنه:

فنحكم بالقوافي من هجانا ******* ونضرب حين تختلط الدماء

أي: نمنع من هجانا من هجونا بأبيات تردعه، وبسيف يضرب حين تختلط الدماء.

وقول جرير رحمه الله:

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ******* إني أخاف عليكم أن أغضبا

أي: امنعوا سفهاءكم من هجائي، وإلا أطلقت لساني عليكم حال الغضب.

والله، عز وجل، حكيم، قد اتصف بحكمة حقيقية، على الوجه اللائق بجلاله، ولا يقال هنا بأن في الحكمة نوع افتقار، لأن الحكمة لا تكون إلا لغرض تعلل به الأفعال، فيقال في عالم البشر: فلان فعل كذا لحكمة وهي: رجاء حصول كذا وكذا، وفي هذا من الافتقار إلى الغرض ما فيه، فلما وقع المتكلمون في قياس الشمول، كعادتهم، فقاسوا الله، عز وجل، على خلقه، في هذه الصفة فروا من ناتج قياسهم الفاسد فقالوا: الحكمة هنا ليست على حقيقتها، لأن الحكيم لا يفعل إلا لغرض، وأفعال الله، عز وجل، لا تعلل بالأغراض، وهو لفظ مجمل يلزم بيان مقصود قائله قبل إثباته أو نفيه، فيقال:

ما المقصود بالغرض هنا: هل المقصود الغرض الذي يماثل الغرض البشري من جهة الافتقار إليه، فهذا منتف قطعا في حق الباري، عز وجل، فهو الغني عمن سواه، وكل ما عداه مفتقر إليه.

أم تقصد غاية لا يلزم منها افتقار، بل هي تزيد الفاعل كمالا، لأنها تدل على عظيم علمه ودقيق تدبيره، فهو الذي يدبر أمر هذا الكون تدبيرا كونيا يدل على تفرده، عز وجل، بالربوبية، فلا رب مدبر مرب لعباده عالم بأسباب صلاحهم سواه، ومن ثم لزم إفراده بالألوهية، فمن قدر ودبر، ومن بيده ملكوت السماوات والأرض، ومن خضعت لكلماته الكونيات ذرات الكون، هو المستحق لأن يفرد بالعبادة: محبة وخضوعا.

والحكمة ترتبط بالعلم ارتباطا وثيقا، فلا حكمة بلا علم، فالعلم سابق الحكمة، فمن علم دقائق الأمور ابتداء، سهل عليه تدبيرها انتهاء، ولله المثل الأعلى.

وقد اقتضت حكمة الله، عز وجل، وقوع بعض المكروه شرعا، فالله، عز وجل، يكره الكفر شرعا، ولذا حذر منه وتوعد عليه، ومع ذلك اقتضت حكمته وقوعه كونا، فهو مع قبحه، وسيلة لحصول محبوب تفوق مصلحته مفسدة وقوع الكفر، فلولا الكفر لما عرف الإيمان، وبضدها تتميز الأشياء، ولولاه لما قامت سوق الجهاد بين حزب الله وحزب الشيطان، ولولاه لما نافح العلماء الربانيون عن الملة، فحصل بذلك من التنسك والتأله للباري، عز وجل، ما حصل، ولولاه ما خط مؤمن حرفا ولا رفع سيفا نصرة للدين الحق، ولولاه لتعطلت عبودية: التوبة، إذ يتوب الله، عز وجل، على من يتوب من الكافرين كل يوم، وهذا أمر مشاهد لا يحتاج مزيد بيان ............... إلخ من الحكم والمصالح التي تفوق مفسدة وقوع المكروه، فالله، عز وجل، غني كريم، ما منع إلا ليعطي، وما ابتلى إلا ليعافي، وما قدر نقص الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ إلا ليعلم الصابرين، علم ظهور وانكشاف، فيوفيهم أجرهم بغير حساب.

اللهم اجعلنا ممن امتننت عليهم بمنة الصبر عند الصدمة الأولى، فحبسوا النفس واللسان عن الجزع والتسخط، وسلموا لحكمتك في وقوع البلاء، فردوا أقدارك بأقدارك.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 10 - 2007, 09:38 ص]ـ

ومع:

48_ الغني:

فالغني في اللغة: صفة مشبهة للموصوف بالغنى من: غنِي غنىً.

والغنى على نوعين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير