غنى نسبي: وهو الذي يتصف البشر به إذا قل احتياجهم إلى غيرهم في تحصيل أسباب المعاش من أموال وأقوات ............. إلخ، وهم مع ذلك لا استقلال لهم في تحصيل هذه الأسباب من جهة:
أن كل سبب لابد له من أسباب أخرى معينة، وقد يعارضه مانع يبطله، فيظل الإنسان محتاجا إلى تعاضد الأسباب، وإزالة الموانع حتى يحصل له تمام الانتفاع بالسبب، وغالبا لا يستقل الإنسان بمفرده في ذلك، فيحتاج إلى من يعينه في تكميل الأسباب ورفع الموانع، فالمريض لا يستغني عن الطبيب ليصف له الدواء الذي هو سبب العلاج، ويحذره من موانع الشفاء من طعام أو شراب أو .............. إلخ، والإنسان مدني بطبعه، لا يستغني عن الجماعة التي تنهض بفروض الكفايات في شتى الفنون والصناعات، فبعضها مفتقر إلى بعض في تحصيل هذه الفروض تحصيلا لا تتعطل معه ضرورات الحياة.
فالفقر أمر ذاتي في الإنسان فهو مفتقر إلى غيره من البشر في إقامة نسيج اجتماعي ينتظم الأفراد، وهو مفتقر قبل ذلك إلى رب خالق مدبر، يخلق له أسباب المعاش ويدبر له شئونه، فإليه يتوجه في قضاء الحوائج، وبتمام محبته والخضوع له يسد رمق فؤاده ويلملم شعثه، والنفس جبلت على التأله للمعبود، فإن لم تتأله لخالقها ومدبر أمرها، وفق ما شرع على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، وقعت في شراك التأله لغيره، فهلكت في أودية الضلال، وما أكثرها!!!!، ومن عبد الله، عز وجل، بغير ما شرع على ألسنة رسله، وقع في شراك البدعة، فلابد من توحيد في العبادة، وتوحيد في المتابعة لتسلم النفس من الهلاك، ويسلم القلب من الشتات، وقليل من جمع بينهما فنجا، وكثير من فرط فيهما فهلك!!!!.
فالحاصل أن الافتقار أمر مركوز في الفطر فهم: مفتقرون إلى الباري، عز وجل، في إيجاد أسباب البقاء، مفتقرون إلى بعضهم في معالجة هذه الأسباب، فهم في فقر مستمر، وإن أظهر الاستغناء منهم من أظهر اغترارا بما في يده من أسباب، مصداق قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، فتقدير الكلام كما يقول أبو السعود رحمه الله: أي يطغى لأنْ رَأى نفسَهُ مستغنياً، فظنه الغنى سبب طغيانه.
والنوع الثاني:
الغنى المطلق: وهو غنى من لا يفتقر إلى سواه، بل كل ما سواه مفتقر إليه: إيجادا وإمدادا، وهو الله، عز وجل، الغني بذاته، المغني لغيره، وعليه يقال:
بأن لاسم "الغني" جذران لغويان:
غنِي اللازم، فيكون دالة على صفة الغنى وهي صفة ذات لا تنفك عن ذات الله، عز وجل، القدسية، فهو غني أزلا وأبدا، لا يفتقر إلى سواه، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، فلم يخلقهم ليأنس بهم من وحشة، أو ليتقوى بهم من ضعف، وإنما حصر الغاية بأقوى أدوات الحصر: النفي والإثبات، فما خلقوا إلا لعبادته، وما أشرفها من وظيفة تؤهل صاحبها إلى الانتظام في سلك النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
والجذر الثاني هو: أغنى المتعدي لغيره، فيكون من صفات الأفعال المتعلقة بمشيئة الله، عز وجل، فهو يغني من شاء متى شاء كيف شاء، وفي التنزيل: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 10 - 2007, 07:15 م]ـ
السلام عليكم
عذرا على هذا الانقطاع، أيها الكرام، لتجدد الأعطال الفنية في الشركة المسئولة عن إمداد حينا بهذه الخدمة.
ومع:
49_ الكريم:
فالكرم في اللغة يدور على معنيين رئيسيين:
الجود وهو المعنى الأشهر، والأصالة، فيقال: فلان كريم النسب، أي: ذو نسب أصيل.
والله، عز وجل، أكرم الأكرمين، فجوده لا يدانيه جود، وذاته وصفاته لا مثل لها، فهي متفردة تفرد كريم النسب في عالم البشر.
¥