والكريم: صفة مشبهة للموصوف بالكرم من: كرُم يكْرُم كرَما، من باب: "فَعُل"، وهي صيغة الأفعال اللازمة التي تعرف بـ: "أفعال السجايا"، لأنها تدل على صفات ملازمة للذوات ملازمة السجايا للنفوس كـ: شَرُف، و: طَهُر .......... إلخ، وقد تقدم أن الصفات المشبهة إنما تصاغ من الأفعال اللازمة، وإن صيغت مبانيها على مبنى صيغة المبالغة: "فعيل"، كما في: "كريم" و "شريف".
والفرق بين الكريم والسخي: أن الكريم هو الذي يعطي بلا طلب، و: السخي هو: الذي يعطي بعد الطلب، فالكرم منزلة أعلى من منزلة السخاء.
ولاسم الكريم جذر آخر متعد من: أكرم، الذي يتعدى بهمزة التعدي، فالله، عز وجل، كريم في ذاته، مكرم لمن استحق الإكرام من عباده، وفي التنزيل: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)، و: مكرِم: اسم فاعل من الرباعي: أكرم، فالآية تدل بمفهوم مخالفتها على أن من أكرمه الله، عز وجل، فلا مهين له.
فصار الاسم دالا على:
صفة الكرم الذاتية المعنوية.
وصفة الإكرام الفعلية المتعلقة بمشيئة الباري، عز وجل، فمن شاء الله، عز وجل، إكرامه من عباده، فهو المُكرَم، وخير ما أكرم العبد به: الطاعة، ومن شاء إهانته فهو المهان، وشر ما أهين به العبد: المعصية، لاسيما: معاصي السر أو ذنوب الخلوات فهي أصل الانتكاسات، عافانا الله من معاصي السر والعلن.
وعليه يصح وصف الله، عز وجل، بأنه مهين لمن استحق الإهانة من عباده، لورود الفعل الدال عليه، ولا يقال بأن من أسماء الله، عز وجل، المهين، لأن باب الأسماء أخص من باب الصفات، فكل اسم يحوي صفة ولا عكس ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص، والباب كما تقدم مرارا: توقيفي بحت، بل وصف الله، عز وجل، بأنه: مهين لا يصح إلا بتقييده بمن يستحق الإهانة، لأن الإهانة المطلقة لا تدل على كمال من اتصف بها، حتى تقيد بالقيد السابق فتكون من باب الجزاء العدل.
وقد اقترن اسم الله الكريم بـ: "الغني" في قوله تعالى: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)، والمناسبة بينهما واضحة، لأن الكرم فرع الغنى، وإن تخلف في بعض أفراد البشر ممن اتصفوا بالغنى على بخل فيهم، والله، عز وجل، منزه عن البخل، لأن البخيل يخشى زوال ما في يده، وخزائن الله، عز وجل، لا تنفد، فهو الغني في ذاته، المغني لعباده، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
واقترن أيضا بـ: "الحليم" في حديث علي رضي الله عنه: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، والمناسبة بينهما أن الحليم هو الذي يصبر على إساءة غيره رجاء أوبته، فيتألفه بإكرامه والإحسان إليه، وإن كان مقيما على الإساءة، عله يرجع عنها، ولله المثل الأعلى، فهو يتودد إلى عباده بنعمه، مع غناه المطلق عنهم، فتكون سببا في رجوع من تقدم في علمه الأزلي أنهم سيؤوبون إليه، وتكون استدراجا لمن تقدم في علمه الأزلي أنهم سيقيمون على الكفر أو المعصية بل وسيستعملونها في حربه وحرب رسله وأوليائه، فيحلم عن الأولين ويصبر على الآخرين، كما تقدم عند الكلام على اسمي: الحليم والصبور.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 10 - 2007, 03:14 م]ـ
ومع:
50_ الأحد:
فالأحد في اللغة: اسم فاعل، أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية من: أحد، بفتح الحاء وتشديدها، أي: جعله أو اعتقده واحدا على التفصيل السابق في اسم "الواحد"، يوحد، تأحيدا وتوحيدا.
وأصل الهمزة في "أحد": واو، فيكون أصل "أحد": "وحد" لأنه من الوحدة.
والفرق بين "الأحد" و "الواحد": أن الأول يرد في موارد النفي والجحود، فتقول: ما جاءني من أحد، فالتنصيص على عموم النفي بـ: "من" زاد النفي والجحود قوة، فناسب أن يكون المنفي: "أحد" لا "واحد"، وفي التنزيل: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، بينما الثاني: "واحد" يرد في موارد الإثبات، فتقول: جاءني واحد منهم، فيكون المعنى: جاءني واحد لا اثنان، ولا تقول: جاءني أحد منهم.
¥