تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما إذا أضيف "أحد" لما بعده، فإن معناه يقرب جدا من معنى "واحد"، فتقول: جاءني أحد الثلاثة، و: جاءني واحد من الثلاثة.

وقد يشكل على ما سبق مجيء أحد في موارد الإثبات في نحو قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، والجواب أن الإثبات هنا متضمن للنفي والجحود لأنه رد على مشركي العرب الذين اتخذوا آلهة متعددة، فكأن الآية تنفي آلهتهم الباطلة بإثبات ضدها من تفرد وأحدية الملك عز وجل، والله أعلم.

والأحد، عز وجل، عند أهل السنة والجماعة هو: المنفرد بذاته ووصفه، المباين لغيره، فمعناه قريب من معنى اسم "الواحد"، فهو، عز وجل، أحد في ذاته، لا تقاس ذاته القدسية على ذوات خلقه، من جهة: تركيب أجساد الخلق من أجزاء يفتقر بعضها لبعض، فليس اتصافه، عز وجل، بالصفات الذاتية الخبرية، كالوجه والعين واليد، كاتصافنا بها، فهي في حقنا أعضاء تفتقر إليها أجسادنا المخلوقة وتدركها حواسنا القاصرة، وفي حقه، عز وجل، صفات لا يدري كنهها إلا المتصف بها، جل وعلا، وإن كانت تشترك مع صفات البشر اشتراكا معنويا، في المعاني الكلية الجامعة، التي لا توجد خارج الذهن إلا مقيدة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

والمتكلمون جعلوا هذا النوع: هو أول أنواع التوحيد، ولكنه لم يسلم، كالعادة من أقيستهم العقلية الفاسدة، فتوصلوا بإثبات الأحدية إلى: نفي صفات الباري، عز وجل، بحجة أنه يلزم منها:

التركيب والتجزؤ الذي ينزه الله، عز وجل، عنه، وهذا نتيجة قياس صفاته على صفات خلقه لمجرد الاشتراك في اللفظ الدال عليها والمعنى الكلي الجامع، على التفصيل المتقدم، فلم يفهموا من صفة العين إلا آلة الإبصار التي يرونها في الخارج، مع أن ما يرونه لا يوجد مطلقا في الخارج، فلا أحد منهم يزعم أن الذي يراه هو: العين المجردة، وإنما يقول: هذه عين إنسان، وهذه عين جمل، وهذه عين هرة .............. إلخ، فإذا كان التباين واقعا بين أعين المخلوقات تبعا لتباين ذواتها مع كونها جميعا يشملها اسم: المخلوق، أفلا يكون التباين أولى بين الخالق، عز وجل، الذي ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، والمخلوق؟، وعلى هذا فقس في كل الصفات التي نفوها بحجة التركيب الفاسدة، وبهذا يظهر أن ما رموا به أهل السنة من التشبيه، لأنهم يثبتون الصفات التي أثبتها الله عز وجل لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الوجه اللائق بجلاله فيجرونها على معانيها الظاهرة دون خوض في كيفية، هو عين ما وقعوا فيه فقد شبهوا ابتداء، ففروا من التشبيه إلى نقيضه: التعطيل، فصارت صفات الله، عز وجل، عندهم مشتركة مع صفات البشر اشتراكا لفظيا فقط، فلا يوجد أدنى شبه، ولو في أصل المعنى بين سمع الله، عز وجل، وسمع المخلوق، ولازم هذا القول: إبطال دلالة الألفاظ التي خوطب بها المكلفون، فما معنى أن يخاطبهم الله، عز وجل، بقوله: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وهو لا يقصد معنى السمع الذي استقر عندهم، بغض النظر عن الكيفية، فالكلام الآن في المعاني الكلية، كما تقدم مرارا، إذ لا سبيل إلى إدراك كيفية صفات الباري، عز وجل، بعقولنا القاصرة، فصار الوحي، بلازم قولهم، ألغازا لا يمكن فهمها وتدبرها، لأن المشترك اللفظي لا يدرك معناه إلا بقرينة خارجية ترجح أحد معانيه على بقية المعاني، إذ لا أدنى علاقة في المعنى بينها وإنما يدل المشترك اللفظي عليها على سبيل البدل فإن دل على إحداها لم يدل على البقية ولو من جهة المعنى الكلي، كما في لفظ: "عين"، وهو أحد أشهر المشتركات اللفظية، فهو يطلق على: العين الباصرة، والجاسوس، وعين الماء ........... إلخ، ولا يدرك المعنى المراد إلا بقرينة مرجحة، فترجح دلالة السياق في: شربت من العين، عين الماء، وترجح نفس الدلالة في: قبض الجند على عين للأعداء، الجاسوس، وهكذا ........ ، وهم قد اعتمدوا القرينة العقلية في هذا الباب لتبرير تأويلاتهم، والقرينة العقلية لا تصلح في باب غيبي، كهذا الباب، لا يدرك إلا بالأدلة السمعية الصحيحة، فلا قرينة لفظية تشهد لما ذهبوا إليه، بل إن سياقات النصوص تشهد لمن أجرى ظواهرها، فأثبت ما تضمنته ألفاظها من وصف الله، عز وجل، بصفات الكمال المطلق التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير