تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووقف بعض القراء على: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ)، فيكون المعنى: وهو الله العلي على السماوات، لأن "في" تأتي بمعنى "على"، وفي التنزيل: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)، أي: على سطحها ولم يقل عاقل بأن معناها: فسيروا في باطن الأرض!!!!، و (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)، أي: سيروا على سطحها بسهولة، و: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، أي: عليها كناية عن تمكن الصلب.

ثم استأنف بـ: (وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون)، فيكون عليا فوق سماواته، عليما بما يعمله الخلق في أرضه، فلا شيء يخفى عليه أو يغيب.

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)

وهي كسابقتها، فصلة الموصول دالة على معنى: الألوهية: "في السماء إله"، و "في الأرض إله"، فهو الإله المعبود بحق في السماء وفي الأرض، ولم يقل: وهو الذي في السماء موجود وفي الأرض موجود، وقد ختمت باسم: "العليم" فصح أن يستدل بهذه القرينة السمعية المستفادة من نفس السياق على أن المراد: المعية العلمية العامة، وكلا الوجهين سائغ.

وكذا نصوص المعية من قبيل:

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

فالمعية هنا: عامة، والمعية العامة من: صفات الله، عز وجل، الذاتية المعنوية، فلا تتعلق بمشيئته، عز وجل، ولا تختص بخلق دون آخر، فالله، عز وجل، مع جميع خلقه، مؤمنهم وكافرهم، بعلمه المحيط، ولا يقال بأن تفسير المعية هنا بالعلم: تأويل بالمعنى الاصطلاحي المتأخر عند المتكلمين لأن السياق هنا، أيضا، قد دل على صحته، فقرينته سمعية صحيحة لا عقلية متوهمة، فقد سبق المعية ذكر العلم في قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)، ولحقها ذكره، أيضا، في آخر الآية في قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، أي: عليم، لأن البصر هنا قد تعلق بالأعمال فصح تفسيره بالعلم.

وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

والكلام فيها كسابقتها: فالمعية عامة تقتضي العلم والإحاطة، سبقها ذكر العلم في قوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، ولحقها ذكر العلم في قوله: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

فالشاهد أن هذه الآيات قد دلت على المعية العامة وهي صفة ذات تثبت في حق المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي.

وقوله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

فالمعية هنا: خاصة، بفئة من الخلق، قد وصفوا بالتقوى والإحسان، والمعية الخاصة تدل على النصرة والتأييد لأنها لا تكون إلا للمؤمنين، خلاف العامة التي يشترك فيها المؤمن والكافر، وسياق الآيات وسبب نزولها، وهما قرينتان سمعيتان معتبرتان تدلان على ذلك، لأن الآيات نزلت بعد غزوة أحد، وكان المقام مقام تسلية وتعزية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقبلها الأمر بالصبر وعدم الجزع أو الضيق، لأن الله، عز وجل، مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فكأن علة الصبر وعدم الجزع: الثقة بمعية الله، عز وجل، الخاصة، فمن كان الله، عز وجل، معه، فمما يخشى وعلام يجزع؟،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير