بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
وأصل الغفر: التغطية والستر، ومنه "المغفر": غطاء الرأس، فالله، عز وجل، يستر على عبده فيغفر له ذنوبه فضلا منه ومنة.
واختار الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، القول بأن لاسم: "الغفور" جذرين لغويين:
جذر لازم: وهو المتعلق بوصف الله، عز وجل، بصفة المغفرة وصفا ثابتا لا ينفك عن ذاته القدسية، فيكون: "غفور": صفة مشبهة، لأن الصفة المشبهة، كما تقدم في أكثر من مناسبة، لا تشتق إلا من الفعل اللازم الذي يدل على اتصاف الذات بالصفة اتصافا أزليا أبديا، لا يتعلق بالمشيئة، فأصل المغفرة، أو: نوعها: أزلي أزلية الذات الإلهية.
وجذر متعد: فيكون "غفور": بمعنى "غافر"، اسم فاعل من "غفر"، وفي التنزيل: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)، فهو متصف بالمغفرة اللازمة التي لا تنفك عن ذاته القدسية، والمغفرة المتعدية التي تتعلق بمشيئته، فأفرادها حادثة، بمعنى متجددة لا مخلوقة، فيغفر لعباده إذا استغفروا، أو: يغفر ابتداء إذا شاء أن يغفر، فالمغفرة كبقية الصفات الذاتية من وجه الفعلية من وجه آخر: أزلية النوع، وهذا معنى كونها ذاتية، حادثة الأفراد، وهذا معنى كونها فعلية، والمغفرة من الصفات الذاتية المعنوية لأن العقل يدل عليها، وإن كان مرجع الإثبات الأول في هذا الباب، كما تقدم مرارا: الدليل السمعي الصحيح الصريح.
وسبق في اسم "العفو" أن: المغفرة تكون ابتداء، بينما العفو لا يكون إلا بعد سابقة عقاب.
وأشار الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في شرح الواسطية إلى أن العفو يكون غالبا عن ترك الواجبات، والمغفرة تكون عن فعل المحرمات، فهذا وجه آخر في التفريق بينهما.
واسم "الغفور" يقترن غالبا باسم "الرحيم" لأن بهما تمام المقصود، ففي المغفرة: زوال المكروب وآثار الذنب، وفي الرحمة: حصول المطلوب، فالمغفرة أولا تخلية للمحل، والرحمة ثانيا تحلية له.
واسم الله، عز وجل، "الغفور" يدل على دعوة العباد إلى الاستغفار بنوعيه:
العام: وهو الاستغفار من صغائر الذنوب، وما يدور من خواطر السوء في القلب، فهو متعلق بمنطقة حديث النفس: المنطقة التي تتولد منها الخواطر التي لا يؤاخذ الإنسان عليها إلا إذا صارت نوايا وإرادات جازمة.
والخاص: وهو الاستغفار بعد وقوع المعصية عمدا، واقتراف الإثم، فهو متعلق بمنطقة الكسب بعد أن تحول الخاطر إلى إرادة جازمة، تولد عنها الفعل.
فالعبد محتاج إلى الاستغفار في كل أحواله، فهو ما بين: خواطر تكدر صفوه وتشغله عن السير إلى ربه، وذنوب تثقل كاهله فتعرقل مسيرته.
والاستغفار يسبق التسبيح والتحميد، فهو الذي يجعل المحل قابلا لهما، فيطهر العبد قلبه بالاستغفار ابتداء، ويحليه بالتسبيح والتحميد انتهاء، فلا غني للعبد عن كليهما.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 11 - 2007, 02:06 م]ـ
ومع:
55_ الودود:
فالودود: صيغة مبالغة: "فعول" من: ود، يود، ودا.
وللود في اللغة معان منها:
التمني: ومنه قوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)، أي: يود أحدهم التعمير في الدنيا ألف سنة، فـ: "لو" هنا: مصدرية، وهي لا تأتي في هذا الموضع إلا مصدرية فيكون المصدر المنسبك منها ومن الفعل المضارع بعدها في محل نصب مفعول به للفعل " ود" أو "يود"، ومنه قول الشاعر:
من الخفرات البيض ود جليسها ******* إذا ما انقضت أحدوثة أن تعيدها.
أي: ود جليسها إعادة أحدوثتها إذا ما انقضت لعذوبة حديثها وفصاحة منطقها.
وفي التنزيل أيضا: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)، أي: يود الذين كفروا وعصوا الرسول تسوية الأرض بهم.
و: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)، أي: ربما يود الذين كفروا كونهم مسلمين.
و: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ)، أي: يود المجرم الافتداء من عذاب يومئذ ببنيه.
ومنها: المحبة، وفي التنزيل: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
ومنها: المرافقة والصحبة، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
والودود: فعول كما تقدم، وهي تأتي بمعنى:
فاعل، أي واد، فالله، عز وجل، يود رسله وأولياءه، بل ويود أعداءه إذا تابوا وأنابوا إليه، مع عظم ما اقترفوه قبل التوبة، فيفرح بتوبتهم، مع كمال غناه عنهم، بل ويقربهم ويفيض عليهم من جوده وكرمه، وهذا ما لا تجده في عالم البشر، فإن المخطئ قد يعتذر، فيقبل من أخطأ في حقه اعتذاره، ولكن قلبه، غالبا، لا يصفو إلا بعد حين، وربما لم يعد الود بينهما كما كان أبدا، مهما اعتذر المخطئ وأبدى ندمه، لأن قلوب البشر تضيق، في كثير من الأحيان عن تحمل الإساءة، ولما طلب أخوة يوسف صلى الله عليه وسلم من أبيهم أن يستغفر لهم قال لهم: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فلم يجبهم إلى طلبهم مباشرة، وإنما أرجأه إلى حين، لينسى إساءتهم لابنيه، فيصفو قلبه أولا، ولم يقل: سأستغفر الدالة على المبادرة، وإنما أتى بـ: سوف الدالة على التراخي.
والود منه:
عام: لكل الخلق بواسع كرمه وسابغ نعمته.
ومنه خاص: بالمؤمنين فهم معهم: معية نصرة وتأييد يتولى أمرهم، ويصنع لهم، وينصرهم على عدوهم.
وتأتي، أيضا، بمعنى: مفعول، أي: مودود، وهو كما يقول ابن القيم رحمه الله: (الذي يستحق أن يحب الحب كله وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته).
والود من صفات الله، عز وجل، الفعلية، المتعلقة بمشيئته.
والله أعلى وأعلم.
¥