تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وجزاك خيرا أخي جلمود، ودعوتك تحتاج إلى بحث، وكما قال الأخ: محمد الجبلي، ليس الهدف من الموضوع بيان حكم الغناء والموسيقى، لاسيما في ثوبها المعاصر، فالأمر شبه محسوم، والخلاف فيه غير سائغ، وإن أُثِر عن بعض السلف، لاسيما بعض أهل المدينة، إباحة السماع، إن لم تخني الذاكرة، مع أن سماعهم في ذلك الوقت لا يمكن أن ينزل حكمه على الغناء المعاصر بأي حال من الأحوال، والأدلة التي يوردها المصنفون في هذه المسألة: أدلة لا تقبل المعارضة بفعل آحاد من السلف، أو قول يكاد ينفرد به ابن حزم، رحمه الله، أو فتوى معاصرة تعرض صاحبها لضغوط الواقع الذي نعيشه.

وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله، رسالة في هذه المسألة تجدها على هذا الرابط:

http://www.shamela.ws/open.php?cat=11&book=1282

وعودة لموضوع المشاركة:

ومع:

62_ المقدم:

فلم يرد هذا الاسم في القرآن، ولكن سمى به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رب العزة والجلال في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، مرفوعا وفيه: (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ).

والمقدم في اللغة: اسم فاعل من: قدم يقدم تقديما.

وتقديم الله، عز وجل، إما أن يكون:

كونيا: فهو تقديمه، عز وجل، في خلقه وتكوينه وفعله، فيقدم خلق ما يشاء، ويقدم هلاك ما يشاء، فقدم خلق النمرود على خلق فرعون، وقدم هلاك الأول على هلاك الثاني، وهكذا إيجاده وإعدامه، عز وجل، متعلق بمشيئته، تقديما وتأخيرا، كما علم أزلا، فكتب في اللوح المحفوظ، فيكون خروج المقدورات من حيز العدم إلى حيز الوجود مطابقا لعلمه الأزلي وكتابته المبرمة في اللوح المحفوظ.

وفي التنزيل: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)

ومن التقديم المتعلق بالتدبير الكوني: اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه، وتقديم بعض خلقه على بعض بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات واصطفاء من شاء للرسالات، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ).

أو شرعيا: فهو متعلق بمحبة الله، عز وجل، لفعل دون فعل، وتقديم بعض الأحكام على بعض، لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد، وعند النسائي بسند صححه الألباني، رحمه الله، من حديث البراء، رضي الله عنه، مرفوعا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ).

واسم المقدم يدل على صفة التقديم، وهي صفة فعلية تتعلق بمشيئة الله عز وجل.

ومع:

63_ المؤخر:

وهو عكس اسم "المقدم"، فهو مكمل لمعنى الكمال فيه، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنت المقدم وأنت المؤخر)، كما في إثبات صفة النفع وصفة الضر لله عز وجل، فمن معاني ربوبية الله، عز وجل: الاتصاف بالوصف وضده، على وجه لا تعارض فيه، ولا نقص، فهو، عز وجل، الذي خلق الخير وأمر به، فينسب إليه من جهة الخلق: كونا، ومن جهة الأمر: شرعا، وهو الذي خلق الشر ونهى عنه، فينسب إليه من جهة الخلق: كونا، ومن جهة النهي: شرعا، فهو شر في المقدور لا في ذات القدر، فقدر الله، عز وجل، كله خير، وإنما اقتضت حكمته، عز وجل، خلق الشر، لما يترتب عليه من حكم جليلة تعجز كثير من العقول عن إدراكها بادي الرأي فلا ترى إلا الشر الماثل في المقدور وتغفل عما يجلبه من خير، فهو خير باعتبار مآله.

فهو الذي خلق القوة والصحة، وخلق الضعف والمرض، لتظهر آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلى في خلقه، فيكون المرض رحمة في حق بعض الخلق، من جهة: تكفير الذنوب، والرضا بالمقدور، والتواضع والانكسار للباري عز وجل، ودعائه والتضرع إليه، فتظهر آثار أسماء: السميع والقريب الذي يسمع دعاء عبده فيجيبه، وهو في حق آخرين نقمة وعذاب، ينتقم به الله، عز وجل، من الجبابرة، فتظهر آثار أسماء وصفات الجلال من قبيل: الجبار والعزيز الذي له عزة القهر والغلبة.

والله، عز وجل، هو المؤخر الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها، إما:

تأخيرا كونيا، كما في حديث أم حبيبة، رضي الله عنها، مرفوعا: (اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ).

أو: تأخيرا شرعيا، كما في حديث أبي عطية، رحمه الله، وفيه: (دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَتْ كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم).

والمؤخر، أيضا، هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا، فيكون أثر اسم "الحليم" قد ظهر فيهم، وإلا كان استدراجا فيكون أثر اسم "الصبور" قد ظهر فيهم.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير