ومن تأمل عاصفة ارتفاع الأسعار التي تجتاح مصر، في هذ الآونة، علم حاجتنا، معشر المصريين، إلى الرجوع إلى جادة الدين، فهو حصن للغني من الطغيان وللفقير من الكفران.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 12 - 2007, 08:25 ص]ـ
ومع:
67_ القابض:
فالقابض في اللغة: اسم فاعل من: قبض، يقبض، قبضا، وهو خلاف البسط، فالقابض والباسط اسمان متضادان، لا يتم معنى الكمال إلا بذكر كليهما، تماما كـ: "المقدم" و "المؤخر"، فالله، عز وجل، القابض الباسط، المقدم المؤخر، الأول الآخر، الظاهر الباطن.
والقبض يأتي بمعنى: قبض الشيء، وقبض اليد عن تناول الشيء، فهو من الأسماء المتضادة، التي تدل على المعنى وضده، فيقال: قبضت الشيء، وقبضت يدي، بمعنى: قبضتها عن تناول الشيء، فظهر المراد تبعا للسياق، فمن الأول:
قوله تعالى: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)، ومن الثاني: حديث عائشة، رضي الله عنها، أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَدْرِ أَيَدُ امْرَأَةٍ هِيَ أَوْ رَجُلٍ قَالَتْ بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ قَالَ لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ، والحديث عند النسائي، رحمه الله، وهو متكلم في إسناده، والراجح ضعفه، وهو مخالف للأحاديث التي جاءت في الأمر بتجنب النساء الزينة، عند خروجهن من بيوتهن، ولو إلى المساجد، وهي أحاديث أقوى إسنادا، كحديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات)، ومعنى "التفل": سوء الرائحة، وهو كناية عن المبالغة في عدم التطيب، فليس المعنى تعمد عدم التنظف طلبا للرائحة المنفرة، فليس هذا من دين الإسلام في شيء، ولم يتعبد الله، عز وجل، خلقه بما يؤذي الغير وينفرهم مما يصادم الفطر السوية، فلا يقوى حديث عائشة، رضي الله عنها، وإن حسنه بعض أهل العلم المتأخرين، على معارضة الأحاديث الأخرى، فهي أصح وأقوى إسنادا.
والقابض، عز وجل، هو الذي يمسك الأرزاق وغيرها عن العباد بمقتضى لطفه وحكمته، وفي التنزيل: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، فقد تكون الحكمة في إمساك الأرزاق، وقد يكون الخير في المنع، والشر في العطاء، فالعطاء ليس دليلا مطردا على الرضا، بل قد يكون استدراجا لمن سخط الله، عز وجل، عليه، وفي التنزيل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
فيوسع ويضيق ابتلاء وامتحانا، لينظر ماذا يعمل الغني فيما استخلف فيه، وماذا يعمل الفقير فيما ابتلي به، فلكل عبودية، فعبودية السراء غير عبودية الضراء، وعبودية الغنى غير عبودية الفقر، وعبودية السعة غير عبودية الضيق، وعبودية الأمن غير عبودية الخوف .............. إلخ.
وقبضه، عز وجل، وصف حقيقي، فصفة القبضة ثابتة له، تبارك وتعالى، على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وفي التنزيل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وعند الشيخين، رحمهما الله، واللفظ لفظ البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
وعند أبي داود، رحمه الله، في: "باب القدر"، من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ جَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ.
والحديث عند عبد بن حميد، رحمه الله، في مسنده بلفظ قريب.
ولازم إثبات القبضة: إثبات صفة اليد لله، تبارك وتعالى، على الوجه اللائق بجلاله، والباب مطرد عند أهل السنة، سواء في الصفات الذاتية بنوعيها: المعنوية والخبرية، أو الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته، عز وجل، كما سبق في أكثر من موضع.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوي السماوات بيده وأن يداه مبسوطتان".
"مجموع الفتاوى"، (6/ 363).
واسم الله، عز وجل، "القابض" يدل على صفة القبض، دلالة تضمن، وهي صفة فعلية متعلقة بمشيئته جل وعلا، فيقبض ما شاء، كيف شاء، متى شاء.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥