والشكور أبلغ من الشاكر، لأن صيغة المبالغة تدل على زيادة في المعنى عن صيغة اسم الفاعل، فالشكور هو: المبالغ في الشكر بالقلب واللسان والجوارح، يقول المناوي رحمه الله: (الشكور الباذل وسعه في أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا، وقيل: الشاكر من يشكر على الرخاء، والشكور على البلاء، والشاكر من يشكر العطاء، والشكور من يشكر على المنع). اهـ
والله، عز وجل، شاكر يجازي العباد على أعمالهم، ويزيدهم من فضله أجورهم، فيرضى بالأعمال، وإن قلت، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)، ويتفضل بمضاعفة الأجر، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)، فلا تحقرن من المعروف شيئا، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)، وقوله: (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ).
والله، عز وجل، غني عنا وعن شكرنا، فلا يفتقر إلى طاعتنا أو أعمالنا، بل يتفضل علينا بالشكر والثناء والثواب، وفي التنزيل: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).
يقول القاضي البيضاوي رحمه الله: ({مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ} أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرراً أو يستجلب به نفعاً وهو الغني المتعالي عن النفع والضر، وإنما يعاقب المصر بكفر ........................... {وَكَانَ الله شاكرا} مثيباً يقبل اليسير ويعطي الجزيل. {عَلِيماً} بحق شكركم وإيمانكم). اهـ
واسم الشاكر يدل على صفة الشكر الفعلية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 01 - 2008, 04:42 ص]ـ
ومع:
73_ المنان:
فلم يرد اسم المنان في القرآن الكريم، وإنما ورد في السنة في حديث أنس، رضي الله عنه، وفيه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ).
والمنان في اللغة: صيغة مبالغة على وزن: "فعال" من: من، يمن منا، بمعنى: قطعه وذهب به، والمنين: الحبل الضعيف، ورجل منين: أي ضعيف، والمنون: الموت، لأنه يمن كل شيء فيضعفه وينقصه ويقطعه، وفي التنزيل: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)، يقول أبو السعود رحمه الله: "وقيلَ: المنونُ الموتُ وهو في الأصلِ فَعُولٌ من مَنه إذا قطَعُه لأنَّ الموتَ قطوعٌ". اهـ
يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله: "والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله: (لقد من الله على المؤمنين - كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم - ولقد مننا على موسى وهارون - يمن على من يشاء - ونريد أن نمن على الذين استضعفوا) وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى.
والثاني: أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النعمة حسنت المنة.
وقوله: (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم) فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر، وقوله: (فإما منا بعد وإما فداء) فالمن إشارة إلى الإطلاق بلا عوض" اهـ.
¥