تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الخلاق فهو يتعلق بإبداعه، عز وجل، خلقه، كما وكيفا، فصيغة المبالغة تدل على الكثرة في الأوصاف والأعيان، فالخلاق هو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، تعليقا على قول من قال: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم، لأنه لو كان كذلك ولم يخلقه لكان بخلا يناقض الجود أو عجزا يناقض القدرة: "لا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة ويقدر على غير ما فعله كما بين ذلك في غير موضع من القرآن، "كقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، و: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) "، وقد يراد به، (أي: قول القائل: ليس في الإمكان)، أنه ما يمكن أحسن منه ولا أكمل منه، فهذا ليس قدحا في القدرة، بل قد أثبت قدرته على غير فعله، لكن قال: ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله، وهذا وصف له سبحانه بالكرم والجود والإحسان، وهو سبحانه الأكرم فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا". اهـ

فالله، عز وجل، يقدر على خلق غير هذا الكون، ويقدر على أن يهدي الضال، ويبصر الأعمى، ولكن ليس كل ما يقدر عليه يشاء فعله كونا، فإنه لو شاءه كونا، فلا راد لمشيئته الكونية التي لا تتخلف أبدا، بخلاف المشيئة الشرعية التي تتخلف لحكمة تقتضي ذلك، فكفر الكافر، وإن كان شرا محضا، إلا أنه شر من جهة المقدور، لا ذات القدر، الذي هو فعل الرب، جل وعلا، فالشر ليس إليه، وإن كان خالقه، والخير، كل الخير، في فعله، جل وعلا، فهو شر باعتبار ذاته، خير باعتبار خالقه الذي قضى به، لمصلحة ترجح مفسدة إيجاده، فظهرت حكمة الرب، جل وعلا، في خلق الشر، باعتباره: مرادا لغيره، فلولا الكفر ما عُرف فضل الإيمان، ولولا تسلط الكفار على أهل الإيمان ما وُجدت سنة: "التدافع"، وما سل سيف أو خط قلم دفاعا عن الملة، وهذا عين الحكمة، والله، عز وجل، قادر على أن يظلم عباده، ولكنه لا يظلمهم، لأنه كتب على نفسه العدل، وفي التنزيل: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، فلم يوجبه عليه أحد، كما قال المعتزلة، وإنما أوجبه على نفسه تفضلا منه على عباده، ومن لا يقدر على الظلم أنقص ممن يقدر عليه ولكنه يمتنع عنه لتمام عدله وفضله.

وسبق أن من ضوابط هذه المسألة:

التفريق بين "الممكن أو الجائز"، فهذا يصح تعلق القدرة به، ومن أمثلته الشهيرة: إرسال الرسل فهو: جائز في حق الرب، جل وعلا، بخلاف المعتزلة ومن تبعهم من القائلين بوجوب ذلك على الله، عز وجل، بخلاف "المحال لذاته أو: المستحيل الذاتي"، كوجود شريك لله، عز وجل، فهذا لا تتعلق به القدرة، لأنه عدم، والعدم ليس بشيء أصلا لتتعلق به قدرة الله، عز وجل، وإن صح تعلق علمه، سبحانه وتعالى به، كما في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فذكر ما كان سيحدث، لو كان فيهما آلهة إلا الله، مع أن وجود الشريك للباري، عز وجل، أمر: محال لذاته، وإنما صح ذكر ذلك لتعلقه بعلمه سبحانه وتعالى بما لم يكن أن لو كان كيف يكون، ولو كان مستحيلا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير