يقول ابن كثير، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ): "وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق ما يشاء، وهو العليم بما تمزق من الأجساد، وتفرق في سائر أقطار الأرض". اهـ
وجعل القرطبي، رحمه الله، الخلاق دالا على تقدير الله، عز وجل، للأخلاق وتقسيمها بين العباد، فمنهم السهل ومنهم الحزن، ومنهم اللين ومنهم الشديد، ومنهم الشجاع ومنهم الجبان ............. إلخ، وهذا قول يسعه اللفظ ويحتمله، يقول رحمه الله: "إن ربك هو الخلاق، أي: المقدر للخلق والأخلاق، العليم بأهل الوفاق والنفاق". اهـ
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 01 - 2008, 01:54 ص]ـ
ومع:
76 _ المالك:
فقد ورد هذا الاسم:
مقيدا في قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ).
ومطلقا في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)، والشاهد في زيادة ابن أبي شيبة، رحمه الله، وإليها أشار البيهقي، رحمه الله، بقوله: ................ ثنا أبو بكر بن أبى شيبة قالا ثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل يسمى ملك الأملاك - لفظ حديث أحمد - زاد أبو بكر بن أبى شيبة في روايته: لا مالك إلا الله.
وأخنع بمعنى: أوضع، من: الوضاعة، كما أشار إلى ذلك البيهقي، رحمه الله، في نفس الموضع.
وسبق أن من دلالة اسم "المالك" التضمنية: ملكية العين، دون تصرف، ومن دلالة "الملك" التضمنية: التصرف في العين، ولو كان المتصرف لا يملكها، ومن دلالة "المليك" التضمنية: كلا الأمرين: الملكية والتصرف، والله، عز وجل، هو المالك الملك المليك، فله الملكية المطلقة والتصرف المطلق في خلقه بمقتضى ربوبيته العامة والخاصة جل وعلا.
وإلى ذلك أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله: (الفرق بين الملك والمالك: أن المالك هو المتصرف بفعله، والملك هو المتصرف بفعله وأمره، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره).
يقول الشيخ الدكتور محمود عبد الرازق، حفظه الله، مصنف هذا البحث:
والله، عز وجل، مالك الملك، ملكه عن أصالة واستحقاق لأنه الخالق الحي القيوم الوارث فعلة استحقاق الملك أمران:
الأول: صناعة الشيء وإنشاؤه واختراعه.
والثاني: دوام الحياة، فحياته، عز وجل، أزلية أبدية، ودوام الحياة علة أخرى لاستحقاق الملك لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك، فالله، عز وجل، يرث الأرض ومن عليها بعد فناء الخلق.
بتصرف من البحث موضوع المداخلات: ص597.
ومع:
77 _ الرزاق:
فهو في اللغة: من صيغ المبالغة على وزن: "فعال" من اسم الفاعل: "الرازق".
وحقيقة الرزق: العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري، فينال ما قسم له في التقدير الأزلي والميثاقي.
وصيغة المبالغة: "الرزاق" تدل على تجدد الفعل وحدوثه، فهي تتعلق بآحاد الفعل، سواء أكان آحاد: "الرزق"، أو آحاد: "المرزوقين"، بخلاف اسم الفاعل: "الرازق" الذي يدل على الرزق إجمالا دون تفصيل.
فاسم "الرازق": يتعلق بالتقدير الأزلي الإجمالي، واسم "الرزاق": يتعلق بالتقدير اليومي التفصيلي، فهو بمثابة تأويل التقدير الأزلي، فوقوع ما تقدم من تقدير الأرزاق في علم الأزل هو مدلول اسم: "الرزاق" الذي يسوق الأرزاق إلى عباده في كل وقت.
ومع:
78_ الوكيل:
فقد ورد اسم الوكيل في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد فيه الاسم مطلقا معرفا بالألف واللام، لكن ورد في مواضع أخرى مقرونا بمعاني العلو التي تزيده كمالا على كمال، كما في قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
والوكيل في اللغة: القيم الكفيل الذي تكفل بأرزاق العباد، وحقيقة الوكيل: أنه يستقل بأمر الموكول إليه، فالوكيل يضمن القيام بما وُكل به، فهو منزل منزلة الأصيل الذي وكله، فالتوكل يتضمن الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده، وفي البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ).
وربما فسر الوكيل بـ: "الكفيل"، ولكنه أعم، فكل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيل.
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا، وهداية وتقديرا، فهو المتوكل بخلقه إيجادا وإعدادا وإمداد، فأوجدهم من عدم، وأعد الأرواح والأبدان، وأمدها بأسباب الحياة والبقاء، فحياة الروح: الوحي المنزل، وحياة البدن: الغذاء المستنبت، فقبضة الطين تفتقر إلى ما يخرج منه، ونفخة الروح تفتقر إلى نور الوحي، ولكل خلق ما يلائمه.
وتوكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه الشرعي، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية، وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي: كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف، فوكالة الرب عبده: أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه، وأما توكيل العبد الرب فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥