وقد ورد الحديث عند مسلم، رحمه الله، من حديث شداد بن أوس، رضي الله عنه، مرفوعا بذكر الوصف دون الاسم، فقال رضي الله عنه: (ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).
فكتب الله، عز وجل، الإحسان على كل شيء، وعموم: "كل شيء" يدخل فيه الباري، عز وجل، لصحة الإخبار عنه، جل وعلا، بـ: "شيء"، وفي التنزيل: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ)، وباب الإخبار عن الباري، عز وجل، أوسع من باب الوصف، وباب الوصف أوسع من باب الاسم، فالأخيران توقيفيان محضان، بخلاف الأول، ففيه من السعة ما ليس فيهما، ولذا صح الإخبار عن الله، عز وجل، بـ: "القديم"، و "الأزلي"، وإن كان الأولى في مثل هذا الباب: الالتزام بألفاظ الوحي المنزل، ففي اسم: "الأول" غنية عن هذين الوصفين.
والله، عز وجل، يكتب على نفسه ما شاء، فلا يكتب غيره عليه شيئا، وفي التنزيل: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، فكتب الإحسان على نفسه كما كتب الرحمة، إحسانا منه إلى خلقه وتفضلا عليهم.
واسم المحسن: اسم فاعل من: "أحسن" المتعدي، وهو يطلق على:
الله، عز وجل، فله كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله، فكل كمال وجمال في الكون خلقه، وخالق الكمال والجمال أولى به، وله كمال الحكمة في أفعاله، فأحكام شرعه معللة، وغاية خلقه مبينة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وهو، أي: باب الأسماء والصفات، باب المحبين حقاً الذي لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من معرفته أحد منهم، بل كلما بدا له منه علم ازداد شوقاً ومحبة وظمأ. فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصاً وأبعدها من كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده، فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه وتعالى ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى، وهو الذي لا يحد كماله، ولا يوصف جلاله وجماله، ولا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه.
وإذا كان الكمال محبوباً لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعي محبه خاصة فإن أسمائه كلها حسنى وهي مشتقة من صفاته، وأفعاله دالة عليها فهو المحبوب المحمود لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه.
فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل وعلى كل أمر، إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، وكل واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناءَ والمحبة عليه، وكلامه كله صدق وعدل، وجزاؤه كله فضل وعدل: فإنه إن أعطى فبفضله ورحمته ونعمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته:
ما للعباد عليه حق واجب ******* كلا ولا سعى لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله، أو نعموا ******* فبفضله، وهو الكريم الواسع". اهـ
واسم المحسن يدل على ذات المحسن، جل وعلا، من جهة اشتقاقه من الفعل اللازم: "حَسُنَ"، فيكون من هذا الوجه دالا على: صفة ذات معنوية لا نتفك عن ذاته القدسية.
ويدل على فعل الإحسان، من جهة اشتقاقه من الفعل المتعدي: "أحسن"، فيكون من هذا الوجه دالا على: صفة الإحسان الفعلية المتعدية المتعلقة بمشيئته عز وجل.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 02 - 2008, 09:59 ص]ـ
ومع:
81 _ الحسيب:
وقد ورد هذا الاسم في كتاب الله:
¥