مطلقا منونا: في قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا). فالتقييد بعموم: "كل شيء" يؤول إلى الإطلاق.
ومقيدا في قوله تعالى: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)، فهو مقيد بكونه، عز وجل، محاسبا لكم على ما أنفقتموه من أموالهم، هل أنفقتموه في محله، أم استهنتم ففرطتم وبذرتم الأموال بدارا؟.
والحسيب في اللغة: من صيغ المبالغة، من: حسب، يحسب، حسابا، فتكون لازمة، بمعنى: الكافي الكريم الرفيع الشأن، والحسب في حق آحاد البشر: الشرف الثابت في الآباء والأجداد، والحسب: الفعل الصالح، فهو بمنزلة الشرف لفاعله، فحسب المرء ما قدمت يداه لا ما ثبت لآبائه وأجداده مما لم تصنع يداه.
وللحسيب أيضا جذر متعد من: حاسب، يحاسب، فيدل على صفة: المحاسبة المتعدية، لأن المحاسب يحاسب غيره.
يقول الغزالي رحمه الله: "الحسيب هو: الكافي، وهو الذي من كان له كان حسبه، والله، سبحانه وتعالى، حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله، عز وجل، فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء، أي: هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم بها وجودها ويكمل به وجودها". اهـ
فهو الموجد المعد الممد بأسباب البقاء وأسباب الكمال، فله البقاء الأزلي الأبدي، والكمال المطلق الذاتي، من باب أولى، فلا يفتقر إلى سبب، ولا يحتاج إلى مدد، فواهب الشيء أحق به.
والحسيب هو الذي: يكفي عباده إذا التجئوا إليه، واستعانوا به، واعتمدوا عليه.
وهو: الكريم العظيم المجيد الذي له الشأن العالي والمجد الباقي.
وهو: المحاسب الذي يحصي على العباد أعمالهم فيجزيهم بها: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وهذا الاسم يدل بـ:
جذره اللازم على: صفة الحسب الذاتية المعنوية.
وجذره المتعدي على: صفة المحاسبة المتعدية، فهي صفة فعل تتعلق بمشيئته عز وجل.
ومع:
82_ الشافي:
فقد ورد هذا الاسم معرفا بالألف واللام في:
حديث عائشة رضي الله عنها: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا).
والشافي في اللغة: اسم فاعل، فعله: شفى يشفى شفاء، وشفا كل شيء: حرفه، ومنه قوله تعالى: (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
يقول أبو السعود رحمه الله: ({وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النار} شفا الحفرةِ وشفَتُها حَرْفها أي كنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنَّم لكفركم).
وإن عدي بالهمزة أفاد إزالة الشفاء، فيكون معنى: أشفاك الله: أذهب الله عنك الشفاء، فأفاد ضد المعنى.
والشفاء كالصحة: حقيقة في الأجسام، مجاز في المعاني عند من يقول بالمجاز، فصحة البدن وشفاؤه: حقيقة، وصحة القول وشفاء النفس بقهر عدوها: مجاز، ومنه:
الحديث الصحيح، فهو وصف اصطلاحي لقول مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو موقوف على غيره، فاستعملت الصحة في الدلالة على هذا المعنى، فصار مجازا فيه، ويمكن أن يقال بأن في الكلام: استعارة، إذ شبه القول في صحته بالجسد الصحيح وحذف المشبه به: الجسد، فآلت الصورة إلى صورة: تشبيه حذف أحد طرفيه، وهذه صورة الاستعارة القياسية.
وكذلك في الشفاء، ومنه:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها ******* فبالغ بلطف في التحيل والمكر
أي: اعلم بأن شفاء النفس إنما يكون في قهر عدوها، فالأسلوب حاصر بتعريف جزئيه: "شفاء النفس" و "قهر عدوها".
فشبه شفاء النفس المعنوي بشفاء البدن المادي، وحذف المشبه به، فهي أيضا، استعارة.
¥