فالصيغة: صيغة قصر بتعريف الجزأين: "الله" و "المعطي"، وهو قصر إضافي، لأن الله، عز وجل، الخالق الرازق المعطي .......... إلخ، فليس وصفه المعطي فقط، أو هو من باب قصر الصفة على الموصوف، فيكون هو المعطي حقيقة، وإن كان غيره معطيا من جهة كونه سببا في الإعطاء، فهو خالق الإعطاء وسببه، وكل إعطاء لإعطائه تبع.
وفي رواية أخرى عند البخاري ذكر وصف الإعطاء الذي يتضمنه الاسم، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ).
والمعطي: اسم فاعل من "أعطى" المتعدي إلى مفعولين: المُعْطى إليه والمُعْطى.
فالله، عز وجل هو الذي: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى):
فعطاؤه الكوني: عطاء الخلق، فأعطى كلَّ حيوان نظيرَه في الخلق والصورة حيث زوّج الحصانَ بالحِجْر والبعيرَ بالناقة والرجلَ بالمرأة ولم يزوِّج شيئاً من ذلك بخلاف جنسِه، كما قال أبو السعود، رحمه الله، وعطاء الرزق، فلكل رزقه المعلوم، وهذا عطاء الأبدان.
وعطاؤه الشرعي: عطاء الوحي والرسالات التي أشرقت القلوب بنورها، وهذا عطاء الأديان، وفي التنزيل: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فالروح هو القرآن، الذي هو للقلوب بمنزلةِ الروحِ للأبدانِ حيثُ يُحيَيها حياةً أبديةً، ولأجل هذا العطاء خُلِق الإنسان، وبه يتفاضل العباد يوم التناد: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ).
والمعطي يدل على صفة الإعطاء الفعلية المتعلقة بمشيئة الله، عز وجل، فإن شاء أعطى فضلا، وإن شاء منع عدلا، وما ربك بظلام للعبيد.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 12:51 ص]ـ
ومع:
85_ المقيت:
فقد ورد هذا الاسم في قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا)، فعم الوصف الذي يدل عليه الاسم، بصيغة العموم: "كل" وهي نص في العموم، والعموم في مثل هذه الآية محفوظ، فالله، عز وجل، مقيت كل شيء.
يقول أبو السعود رحمه الله: "أي مقتدراً، من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه أو شهيداً حفيظاً، واشتقاقُه من القُوت، فإنه يقوِّي البدَنَ ويحفَظُه". اهـ
والمقيت: اسم فاعل للموصوف بالإقاتة، من: أقات المتعدي بالهمزة، فالله، عز وجل، مقيت غيره، وأصله: قات اللازم، يقوت، قوتا، والقوت: هو ما يمسك الرمق من الرزق.
فالله، عز وجل، مقيت:
الأبدان: بغذائها المادي، والأرواح بغذائها المعنوي، فسلامة الأديان والأبدان من مقاصد الشريعة، ولذا كان حفظ الدين والنفس من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها.
وهو المقيت الذي يحصي أعمال العباد ويحفظها فلا يغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
يقول البيهقي رحمه الله: "المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة وقيل: المقيت الحفيظ، وقيل: هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل". اهـ
وإذا تأمل الإنسان تحول الغذاء في بدنه إلى دم يغذي أعضاءه، فيتحول بعضه إلى أنسجة عصبية، وآخر إلى أنسجة عضلية، وثالث إلى أنسجة وعائية، ورابع إلى أنسجة ضامة ....... إلخ، علم يقينا أن الله، عز وجل، مقيت هذه الأنسجة، فالغذاء واحد، والناتج متعدد، فلا تخطئ أنسجة الأعصاب يوما فتنتج خلايا عضلية، ولا تخطئ العضلات يوما فتنتج أعصابا، فالله، عز وجل، هو المقيت لكل خلية من خلاياها قد تكفل لها بإيصال الرزق الذي قدره لها، فكل قطرة دم تحمل الغذاء إلى خلية بعينها، قد علم كل أناس مشربهم، فعلام التنازع وقد تكفل المقيت، عز وجل، بقوت الأبدان والخلايا؟.
¥