ويقول النووي، رحمه الله، في "شرح الأربعين": (ومعنى الطيب: المنزه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعنى القدوس، وقيل: طيب الثناء ومستلذ الأسماء عند العارفين بها، وهو طيَب عباده لدخول الجنة بالأعمال الصالحة وطيبها لهم، والكلمة الطيبة: لا إله إلا الله).
"شرح الأربعين النووية"، ص59.
فالله، عز وجل، طيب في نفسه، مطيب لغيره، فصار للاسم جذران:
جذر لازم: وهو "طاب" الذي يدل على صفة الذات.
وجذر متعد: وهو "أطاب" الذي يدل على صفة الفعل المتعلقة بمشيئته، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فيطيب من يشاء متى شاء كيف شاء.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 02 - 2008, 06:12 م]ـ
ومع:
88_ الحكم:
فالحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل: الحاكم، وسبق بيان الأصل اللغوي للحكمة عند الكلام على اسم الله: "الحكيم"، فالحكم لغة يرجع إلى: المنع.
والحُكم هو: القضاء بالعدل.
وحكم الله، عز وجل، في عباده على نوعين:
الأول: الحكم الكوني وهو المتعلق بالمشيئة، أو الإرادة الكونية، فهو واقع لا محالة، لأنه تأويل ما علمه الله، عز وجل، من الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ كتابة محكمة لا تقبل التبديل أو النسخ، مصداق قوله تعالى: (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)، فكلماته الكونيات نافذة في خلقه لا مبدل لها وإن حملت الآية على الكلمات الشرعية صارت من باب الخبر المراد به الإنشاء، فيؤول الكلام إلى: لا تبدلوا كلمات الله الشرعيات التي كلفكم بمقتضاها، بخلاف المكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة، فهو مما يقبل التبديل، بدعاء ونحوه، مصداق قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، وبخلاف الحكم الشرعي فهو يقبل النسخ في زمن التشريع، مصداق قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وجعل المفسرون قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، دليلا على وقوع النسخ بمعناه الاصطلاحي، فتكون الآية محتملة للوجهين:
تبديل ما في الصحف التي بأيدي الملائكة تبديلا يتعلق بفعل الأسباب وانتفاء الموانع، وهي لا تخرج عن إرادة الله، عز وجل، الكونية، لأنه هو الذي خلق السبب والمسبب، فالسبب بنفسه لا يؤدي إلى نتيجة، إلا أن يشاء الله، عز وجل، جريانه وانتفاء موانعه، وإن كان في نفسه مؤثرا بما أودعه الله، عز وجل، فيه، من قوة.
والنسخ الشرعي المعروف، ويستثنى منه نصوص مؤبدة، أطلق عليها الأصوليون اسم: المحكم، من جهة كونها مؤبدة بنص الشارع، عز وجل، فلا تقبل النسخ أو التبديل، لا لذاتها، فهي أحكام كبقية الأحكام، وإنما لتعلق خطاب الشارع، عز وجل، المانع من نسخها إلى قيام الساعة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، وبعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم صارت النصوص كلها محكمة في حقنا بانقطاع الوحي، فلا نسخ بعد عصر النبوة.
ومن المحكم أيضا: ما لا يقبل النسخ لذاته، كوجوب توحيد الله، عز وجل، ومكارم الأخلاق، فلا تنسخ الرسالات: توحيد الله، عز وجل، لأنها لم تأت إلا لتقريره، فكيف تنسخه؟!!!!، ولا تنسخ مكارم الأخلاق، فلا يكون الكذب واجبا أو مستحبا أو مباحا في شريعة منزلة.
فصار المحكم على ثلاثة أنواع:المحكم لذاته: كالتوحيد ومكارم الأخلاق.
والمحكم لتعلق خطاب التأبيد إلى يوم القيامة به: كالجهاد.
والمحكم بوفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وانقطاع الوحي واستقرار الأحكام الشرعية.
والثاني: الحكم الشرعي، وهو الحكم الذي يتعلق بأفعال المكلفين، مقتضى الأمر والنهي، افعل على وجه الوجوب والاستحباب، ولا تفعل على وجه الكراهة والتحريم، وافعل أو لا تفعل على وجه الإباحة والإذن، وبه يتعلق الثواب والعقاب، ولأجله خلق العباد، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وقد يتخلف إذا قدر الله، عز وجل، تخلفه، ولا يوجب ذلك قدحا في قدرة الله، عز وجل، على خلقه، لأنهم لن يخرجوا عن حكمه الشرعي إلا بحكمه الكوني الذي قدر به عليهم ألا يعبدوه، عدلا منه، عز وجل، لعلمه الأزلي بعدم قبول المحل، فكان مقتضى الحكمة أن يتخلف الامتثال في حقهم للكلمات الشرعيات.
وقد ذكر القرطبي، رحمه الله، للحكم ثلاثة معان:
أولها: الإرادة، فالله، عز وجل، قد حكم في الأزل بما اقتضته إرادته، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ كتابة مبرمة لا تقبل التبديل أو النسخ.
وثانيها: ما يرجع إلى الكلام: فيكون معناه: المبين لعباده ما في كتابه من أحكام شرعية، فكلامه حكم، ومنه قيل لمن يبين الحلال والحرام للناس ويفصل بينهم: حكم.
وثالثها: ما يرجع إلى الفعل: فيكون معناه الذي ينفذ حكمه الكوني في عباده بالسعادة والشقاء.
واسم الحكم يدل على صفة الحكم بنوعيها: الكوني والشرعي، وهي من صفات الأفعال، لأنها متعلقة بمشيئة الله، عز وجل، فتأويل المقدورات تبع لمشيئته، إن شاء أحيى فلان، وإن شاء أمات فلان، وإن شاء أغنى فلان، وإن شاء أفقر فلان ................. ، وفي التنزيل: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)، وسن الشرائع وإرسال الرسل وإنزال الكتب ونسخ الأحكام إنما يتبع، هو الآخر، مشيئته، إن شاء بعث رسولا برسالة جديدة، تنسخ ما قبلها: نسخا عاما أو خاصا، وإن شاء بعث نبيا يجدد شريعة من سبقه، وإن شاء أنزل آيات الكتاب بالحق، وإن شاء نسخها فأتى بخير منها أو مثلها.
فله الحكم المطلق في عباده: كونا وشرعا، لا شريك له في حكمه، ولا ند له في حكمته.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥