بخلاف قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فالرحمن يدل على: الرحمة العامة، والرحيم يدل على: الرحمة الخاصة بالمؤمنين، فالسياق سياق: خصوص بعد عموم، فناسب أن يقدم العام هنا، لأن المقام مقام: ربوبية: يشترك فيها المؤمن والكافر، فالله، عز وجل، رب كل الكائنات.
وفي تسمية الصلاة بالإيمان: دليل لأهل السنة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، فذكر الإيمان في هذا السياق من باب: إطلاق الكل وإرادة الجزء، أو من باب: ذكر عموم الإيمان، وإرادة خصوص فرد من أفراده، وهو: الصلاة، وقد دلت قرينة سبب نزول هذه الآية على هذا الفرد بعينه.
واسم الرءوف يدل على صفة الرأفة وهي: صفة فعل تتعلق بمشيئة الله عز وجل.
ومع:
93_ الوهاب:
فهو صيغة مبالغة على وزن: "فعال" من: "وهب" الثلاثي، وتقدم أن: "فعال" تدل على كثرة وقوع آحاد الفعل، فهبات الله، عز وجل، لعباده لا حصر لها.
يقول ابن منظور رحمه الله:
"الهِبةُ العَطِيَّة الخاليةُ عن الأَعْواضِ والأَغْراضِ فإِذا كَثُرَتْ سُمِّي صاحِبُها وَهَّاباً وهو من أَبنية المُبالغة .............. والوَهَّابُ من صفاتِ اللّه المُنعِمُ على العباد واللّهُ تعالى الوهَّابُ الواهِبُ". اهـ بتصرف يسير.
وهباته، عز وجل، عظيمة القدر، مع كثرة آحادها، فهو الذي وهب سليمان صلى الله عليه وسلم، ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وهو الذي يجيب دعاء المسألة، وإن وقع من كافر أو فاسق، وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه، مرفوعا: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ).
والواهب في الدنيا قد ينتظر ثواب هبته، وهو ما اصطلح الفقهاء على تسميته بـ: "هبة الثواب"، كهدايا الخاطب إلى مخطوبته إن نوى استرجاعها إن لم يتم الزواج، وقد نُهِي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها، لأنها مظنة الافتقار إلى عوضها، فإذا كان هذا كمالا ثابتا للرسول البشري، فمرسله الرب العلي، عز وجل، أحق وأولى به، من باب: "قياس الأولى" الذي تقدمت الإشارة إليه مرارا، فلا يتصور أن يهب الله، عز وجل، عباده، هبات يفتقر إلى ثوابها، وفي التنزيل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 04 - 2008, 08:12 ص]ـ
ومع:
94_ الجواد:
فقد ورد في حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، مرفوعا: (إن الله جواد يحب الجواد، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها)، والحديث عند ابن أبي شيبة، رحمه الله، في "مصنفه"، والبيهقي، رحمه الله، في "شعب الإيمان"، وقال السيوطي، رحمه الله، في "الدر المنثور": "وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله جواد كريم يستحي من العبد المسلم إذا دعاه أن يرد يديه صفراً ليس فيهما شيء» ". اهـ
وقد أثبته ابن القيم، رحمه الله، في "النونية" فقال:
وهو الجواد فجوده عم الوجود ******* جميعه بالفضل والإحسان
وهو الجواد فلا يخيب سائلا ******* ولو أنه من أمة الكفران
والتكرار في: "وهو الجواد": للتوكيد، كما في قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها ******* أشطان بئر في لبان الأدهم
يدعون عنتر والسيوف كأنها ******* لمع البوارق في سحاب مظلم
أي: ينادي القوم: يا عنترَ، على لغة من ينتظر، أقبل، فالدعاء هنا بمعنى: النداء، فيتعدى إلى مفعول واحد، كما في قول علي رضي الله عنه:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ******* أوقدت ناري ودعوت قنبرا
ورواية الحافظ، رحمه الله، في "الفتح":
إِنِّي إِذَا رَأَيْت أَمْرًا مُنْكَرًا ******* أَوْقَدْت نَارِي وَدَعَوْت قَنْبَرَا
الشاهد أن في التكرار: إطنابا يفيد توكيد المعنى وتثبيته في ذهن السامع.
¥