فالجواد، عز وجل، يعطي السائل ويجيب الداعي، ولو كان كافرا، مصداق قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)، وقوله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، وقوله تعالى: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
والجواد: صفة مشبهة للموصوف بالجواد، فهي تدل على وصف لازم للموصوف، فعله: جاد يجود جودة.
والجود، كما عرفه الحافظ، رحمه الله، في "الفتح"، (1/ 41): "إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، فهو أعم من الصدقة". اهـ بتصرف يسير
والجواد هو الذي يعطي حال الرخاء شكرا على المنحة، وحال الشدة صبرا على المحنة، فتكون المصيبة: محنة في الظاهر، منحة في الباطن، يرفع الله بها الذين آمنوا من عباده والذين أوتوا العلم درجات، فينزل من البلاء على قدر الإيمان، وينزل من الصبر على قدر المصاب، ومن علم حكمة الله، عز وجل، في ابتلاء العباد، هانت عليه الشدائد، فالنفوس مطمئنة، والقلوب موقنة، والألسن ذاكرة، والجوارح شاكرة، ولسان حال المؤمن: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
والجواد هو الذي من على عباده بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فزكت النفوس وطهرت القلوب بمعرفة أجل مذكور، وأشرف معلوم، فهي الزاد، في سفر الهجرة إلى الرب المعبود، ولأجلها خلقت الكائنات، وبعثت الرسل بالرسالات، فمن أحصاها فاز بإرث النبوات، واستحق روضات الجنات، و: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)، و: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
ومع:
95_ السبوح:
فقد ورد في حديث عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ.
والسبوح من صيغ المبالغة على وزن: "فعول"، بضم العين وتشديدها، من: سبح يسبح تسبيحا، واسم مصدره: سبحان، فهو نائب عن المفعول المطلق ملازم للنصب.
يقول ابن منظور رحمه الله في مادة: "سبح":
"قال ابن شميل رأَيت في المنام كأَنَّ إِنساناً فسر لي سبحان الله فقال أَما ترى الفرس يَسْبَحُ في سرعته؟ وقال سبحان الله السرعةُ إِليه والخِفَّةُ في طاعته وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له مِثْلٌ أَو شريك أَو ندٌّ أَو ضدّ. قال سيبويه زعم أَبو الخطاب أَن سبحان الله كقولك براءَةَ الله أَي أُبَرِّئُ اللهَ من السوء براءةً وقيل قوله سبحانك أَي أُنزهك يا رب من كل سوء وأُبرئك وروى الأَزهري بإِسناده أَن ابن الكَوَّا سأَل عليّاً رضوان الله تعالى عليه عن سبحان الله فقال كلمة رضيها الله لنفسه فأَوصى بها والعرب تقول سُبْحانَ مِن كذا إِذا تعجبت منه". اهـ
فالمادة تدور حول: التقديس والتنزيه من كل عيب، والتعجب من بديع صنعه وعظيم حكمته.
واسما: "السبوح" و "القدوس": من الأسماء الدالة على نفي ما لا يليق بالرب، تبارك وتعالى، فلا يتم المعنى إلا بإثبات الكمال المقابل للنقص المنفي، لما تقرر مرارا، من أن النفي غير مقصود لذاته، بل لابد من إثبات كمال ضده، فالله، عز وجل، مبرأ من كل نقص، متصف بكل كمال مطلق، ولذا قال بعدهما: "رب الملائكة والروح"، فأتبع النفي بإثبات الكمال، فهو المنزه المبرأ من كل عيب، المتصف بكمال الربوبية، فهو: رب الملائكة والروح، فعم ثم خص إمعانا في التوكيد، وتنويها بذكر الروح الأمين: جبريل عليه الصلاة والسلام.
يقول النووي رحمه الله:
¥