"وَقَالَ اِبْن فَارِس وَالزُّبَيْدِيّ وَغَيْرهمَا: سُبُّوح هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فَالْمُرَاد بِالسُّبُّوحِ الْقُدُّوس الْمُسَبَّح الْمُقَدَّس، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُسَبَّح مُقَدَّس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح. وَمَعْنَى (سُبُّوح) الْمُبَرَّأ مِنْ النَّقَائِض وَالشَّرِيك وَكُلّ مَا لَا يَلِيق بِالْإِلَهِيَّةِ، (وَقُدُّوس) الْمُطَهَّر مِنْ كُلّ مَا لَا يَلِيق بِالْخَالِقِ". اهـ
وأشد الناس تنزيها للباري، عز وجل، عما لا يليق بجلاله: رسله عليهم الصلاة والسلام، فهم أعلم الناس به، ومن كان بالله أعلم كان له أخشى، وعلى تنزيهه أحرص، فليس سواء عالم وجهول.
وفي التنزيل: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فنزه نفسه عن العيب، وسلم على رسله الذين وصفوه بما يستحق من كمال ونزهوه عما لا يليق به من نقص، ثم ختم بإثبات الكمال المطلق المستلزم لجنس المحامد، فـ: "أل" في الحمد: جنسية تفيد استغراق جنس ما دخلت عليه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ، وله من وصف الحمد أكمله، ومن قدره أوفره، حمد نفسه ابتداء، وسبحته ملائكته انتهاء، فتراهم: (حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ)، وَ: (قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، إثباتا بعد تنزيه، وتحلية بعد تخلية.
يقول صاحب "سبل السلام"، رحمه الله، في شرح حديث سمرة، رضي الله عنه، مرفوعا: {أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْت: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ}.
"وَقَوْلُهُ (لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْت) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهَا وَلَكِنْ تَقْدِيمُ التَّنْزِيهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَقَدُّمُ التَّخْلِيَةِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّنْزِيهُ تَخْلِيَةٌ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ وَإِثْبَاتُ الْحَمْدِ وَالْوَحْدَانِيَّة وَالْأَكْبَرِيَّةِ تَحْلِيَةٌ بِكُلِّ صِفَاتِ الْكَمَالِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَعَالَى مُنَزَّهَةٌ ذَاتُهُ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ لَمْ تَضُرَّ الْبُدَاءَةُ بِالتَّحْلِيَةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى التَّخْلِيَةِ". اهـ
واسم: "السبوح" دال على صفة الذات إن كان معناه: المنزه في ذاته وأوصافه وأفعاله، ودال على صفة الفعل إن كان معناه من اتصف بتنزيه نفسه عن كل عيب.
بتصرف من "أسماء الله الحسنى"، ص686.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 04 - 2008, 02:24 م]ـ
ومع:
96_ الوارث:
فقد ورد في عدة آيات منها:
قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
وقوله تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ).
وقوله تعالى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ).
يقول أبو السعود رحمه الله:
" {وَنَحْنُ الوارثون} أي الباقون بعد فناءِ الخلقِ قاطبةً، المالكون للملك عند انقضاءِ زمان المُلك المجازيِّ، الحاكمون الكلَّ أولاً وآخراً، وليس لهم إلا التصرفُ الصُّوريُّ والملكُ المجازي". اهـ
فملك العبد: مجازي من جهة المآل، حقيقي من جهة الحال، فيترتب عليه من الحقوق ما يترتب، مع كونه غير مطلق، كملك الله، عز وجل، فملك البشر مقيد بأمر رب البشر:
الكوني: فهو الذي يعطي فضلا، ويمنع عدلا، مصداق قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
¥