والشرعي: فلا يحل له التصرف في ملكه بخلاف مراد الشارع، عز وجل، فلا يملك بيع الدرهم بدرهمين، مع كونه مالكا للدرهم، لنهي الله، عز وجل، عن ذلك، وليس له أن يحتج بملكه للدرهم، فهو مستخلف فيه، لا يضعه إلا حيث يأمره سيده، مصداق قوله تعالى: (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)، فملكه ناقص، وأحدهما عن الآخر زائل، بخلاف ملك الباري، عز وجل، فهو الملك التام، الباقي، فلا تزول صفة الملك عنه، عز وجل، فله الملك أزلا وأبدا: فهو الملك قبل أن يخلق، الملك بعد أن خلق، الملك بعد فناء خلقه، الملك يوم البعث والنشور.
والوارث:
اسم فاعل من: ورث، يرث وراثة، فالوارث هو الموصوف بوراثة غيره.
يقول ابن منظور رحمه الله:
"الوارث صفة من صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يَرِثُ الخلائقَ ويبقى بعد فنائهم والله عز وجل يرث الأَرض ومَن عليها وهو خير الوارثين أَي يبقى بعد فناء الكل ويَفْنى مَن سواه فيرجع ما كان مِلْكَ العِباد إِليه وحده لا شريك له". اهـ
"لسان العرب"، مادة: "ورث".
فالله، عز وجل، الوارث الباقي بعد فناء خلقه، المورِث الذي شرع لعباده أحكام الإرث:
في الدنيا: فيرث بعضهم بعضا، على التفصيل المذكور في كتب الفرائض.
وفي الآخرة: يورث عباده المؤمنين، جنة الخلد، مصداق قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
فبقاءه، عز وجل، بعد فناء عباده: ذاتي لا يفتقر إلى سواه، فله الحياة الكاملة: أزلا وأبدا، بخلاف بقاء عباده بعد بعثهم، فهم باقون بإبقائه لهم، فلا غنى لهم عن أسباب الحياة منه، ولو شاء لأفناهم أجمعين، فمن وهب الحياة التامة في الجنة، فلا سنة ولا نوم ولا مرض ولا موت، أفلا يكون أحق بالاتصاف بها، على الوجه اللائق بجلاله، مصداق قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى)، و: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
فالاسم دال على جذرين:
ورث: الثلاثي الدال على وصف البقاء بعد فناء الخلق، فهو وصف ذات لازم.
و: ورث: الرباعي، بتشديد الراء، الدال على وصف التوريث، فهو وصف فعل متعد، متعلق بمشيئة الله، عز وجل، فمن شاء ورثه من الجنان فضلا، ومن شاء حرمه عدلا.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 04 - 2008, 09:41 ص]ـ
ومع:
97_ الرب:
فقد ورد في عدة نصوص منها:
قوله تعالى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)
فـ: "سلام": دعاء بالسلامة من الآفات، ولذا صح الابتداء به مع كونه نكرة، كما في قوله تعالى: (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ).
و: "من رب رحيم": خبر المبتدأ، فابتداء غاية السلام على عباد الرحمن في دار السلام من: السلام، عز وجل، فأي كرامة بعد ذلك؟، ولأجل تلك المنازل، شُدت المآزر، وشمرت السواعد، وفي ذلك: فليتنافس المتنافسون، و: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ).
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ).
والرب: صفة مشبهة للموصوف بالربوبية، فعله: رب، يرب، ربوبية.
والرب هو: الذي يربي غيره وينشئه شيئا فشيئا، ومنه تفسير ابن جرير، رحمه الله، لـ: "ربانيين" في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ):
"وأولى الأقوال عندي، (أي: ابن جرير رحمه الله)، بالصواب في "الربانيين" أنهم جمع "رباني"، وأن "الرباني" المنسوب إلى "الرَّبَّان"، الذي يربُّ الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم، و"يربّها"، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:
¥