قوله تعالى: (أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا).
و: المعبود، ومنه قول عمرو بن الجموح رضي الله عنه:
أرب يبول الثعلبان برأسه ******* لقد ذل من بالت عليه الثعالب.
ولا يطلق مجردا عن الإضافة إلا على الله، عز وجل، فهو: "الرب" بإطلاق، بخلاف بقية الأرباب فلا تكون ربوبيتهم إلا مقيدة.
وللربوبية ثلاثة أركان:
الخلق: فالرب هو الخالق الذي قدر الموجودات قبل وجودها، فأنشأ من العدم، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فلازم الربوبية: إفراده، عز وجل، بالتقوى، فمن أوجد وأعد وأمد بالنعم، أفلا يستحق أن يفرد بأنواع العبادات، فلا يعبد إلا هو بما شرع على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام؟!!.
وفي التنزيل: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فاستدل على: إفراده، عز وجل، بالحكم: قدرا وشرعا، والتعبد بمقتضى كلماته الشرعيات، بـ: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، فمن استحق وصف الربوبية، استحق أن يفرد بـ:
الحكم: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
والعبادة: فقد: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فإذا قيل لك: من ربك؟، فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه". اهـ
فجعل توحيد الربوبية وسيلة لتوحيد الطاعة والعبادة.
والملك: فالله، عز وجل، هو مالك الأعيان، الملك المتصرف فيها، فله السلطان المطلق، بخلاف مُلك غيره، فهو مقيد بقدره وشرعه، جل وعلا، فقد يتلف مِلك العبد، إذا أراد الرب، جل وعلا، تلفه، ومع سلامته فإنه إنما يتصرف فيه بمقتضى ما شرعه الملك، عز وجل، فهو مستخلف فيه، مبتلى بامتثال أمر الشارع، عز وجل، فيه.
والتدبير: فله التدبير المطلق لكل الموجودات، بخلاف تدبير عباده، فلا يتعدى ما تحت أيديهم، مع كونه، أيضا، مقيدا بحكمه الكوني وحكمه الشرعي، فلا يملك العباد خروجا عليهما، فمن خرج عن أمره الشرعي، فإنما خرج بمقتضى أمره الكوني، فالعباد ما بين: ابتلاء بالمقدور الكوني والمأمور الشرعي.
ويمكن أن يقال بأن: "دلالة التواطؤ"، أو: "الاشتراك المعنوي": حاصلة بين: ربوبية الرب، جل وعلا، المطلقة، و: ربوبية المخلوق المقيدة، فكلاهما يشترك في معنى: "الصاحب"، أو "المالك" الكلي، وهو معنى مجرد في الأذهان، لا وجود له في الأعيان إلا مقيدا، فتختلف الربوبية تبعا لنوعها، فربوبية الله، عز وجل، نوع من جنس الربوبية المطلقة، وهو يباين ربوبية المخلوق، فهي نوع آخر من نفس الجنس المطلق، بل إن أفراد النوع الواحد تتباين تبعا لتباين الأفراد، فربوبية زيد غير ربوبية عمرو غير ربوبية بكر، مع اندراجهم جميعا تحت نوع واحد، وهو: المخلوق، بل تحت نوع أخص، وهو: المخلوق العاقل الناطق لا مطلق المخلوق الذي يدخل فيه غير العاقل.
¥