تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

فدل المذكور على المحذوف، فلم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شاهدا ما ذكر في الآية، فدل ذلك أنه ما علمه إلا بخبر الوحي المعصوم.

ونظيره:

قوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ).

وتتبع هذا الأسلوب باستقراء نصوص الوحي أمر يستحق إنفاق الوقت والجهد.

وسلك القرآن الكريم أيضا:

مسلك قياس الأولى في إثبات ربوبية الله، عز وجل، في نحو:

قوله تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)، فمن خلق السماوات والأرض، مع عظمهما، قادر من باب أولى على خلق أولئك المكذبين.

وقد سلكه القرآن الكريم، أيضا، في إثبات البعث في نحو:

قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فبعث الموتى أيسر من خلق السماوات والأرض، وكلها يسيرة على الله، عز وجل، وإنما تنزل معهم في الخطاب إلزاما لهم بالحجة القاطعة.

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فإعادة الخلق أهون من ابتدائه، وكلها هينة على الله، عز وجل، فـ: "أفعل" هنا: منزوعة التفضيل، كما في قول الفرزدق:

إن الذي سمك السماء بنى لنا ******* بيتا دعائمه أعز وأطول

أي: عزيزة طويلة.

وسلك القرآن، أيضا، مسلك قياس الطرد والعكس في إقامة الحجج وبيان الأحكام، في نحو:

قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)، فإنه يفيد:

بدلالة الطرد: أن من وافقهم في علة التكذيب، استحق جزائهم من الهلاك.

وبدلالة العكس: أن من خالفهم في علة التكذيب، استحق عكس جزائهم من النجاة.

وهكذا، كل عبارة لها مفهوم، فإن النظم يفيد بالمنطوق حكما، وبالمفهوم ضده، إذا كان المفهوم معتبرا كما في:

مفهوم الشرط في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ)، فإنه يفيد بطرد العلة التي علق عليها حكم التثبت، وهي: الفسق، وجوب التثبت في خبر كل فاسق، فالعلة متعدية، لا تختص بفاسق بعينه، ويفيد بعكسها: قبول خبر العدل بلا تثبت، فعدالته كافية في قبول خبره.

وتتبع أساليب الجدل القرآني، مما يقطع بإعجاز هذا الكتاب المنزل، كما تقدم، ففيه رد قاطع على الفلاسفة الذين تبجحوا بمقاييس عقولهم القاصرة، وظنوا أن طريقتهم في الاستدلال هي الغاية، وإنما ما صح منها، عند التحقيق، فرع على طريقة القرآن في إقامة البراهين العقلية القاطعة على مسائل الوحي: علمية كانت أو عملية، مصداق قوله تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)، فكيف يقدح في أصل بفرعه، وكيف تسوغ معارضة النقل الصادق بالعقل القاصر؟!!!!

ومقابل الربوبية العامة: العبودية العامة:

عبودية: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا).

فالقصر بالنفي والاستثناء في هذه الآية: حقيقي، فضلا عن عموم الحكم الذي دل عليه لفظ: "كل" فهو نص في العموم لا مخصص له في هذه الآية، فكل من في السماوات والأرض، آتي الرحمن عبدا خاضعا منقادا.

يقول أبو السعود رحمه الله: "أي ما منهم أحدٌ من الملائكة والثقلين {إِلاَّ اتِى الرحمن عَبْداً} إلا وهو مملوكٌ له يأوي إليه بالعبودية والانقيادِ". اهـ

ومقابل الربوبية الخاصة: العبودية الخاصة:

عبودية: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا).

عبودية: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)، فعاد بأول كلمة نطق بها بالإبطال على فرية من غلا فيه من النصارى.

عبودية: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).

عبودية: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ).

عبودية: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).

عبودية: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)

عبودية: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا).

عبودية: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).

عبودية: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

وتتبع هذه المادة في الكتاب المنزل، أمر يستحق، أيضا، إنفاق الوقت والجهد.

وعذرا على الإطالة والاستطراد في أكثر من موضع.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير