تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

.......... إلخ، وإن وقعت الشركة في معانيها الكلية المجردة على التفصيل السابق.

ويتعلق بهذه المسألة: جواز القياس في باب الأخبار، فالأصل: عدم الجواز، لأن القياس فرع على إدراك الأصل والفرع والعلة الجامعة، وقياس الله، عز وجل، على خلقه، قياس تمثيل أو شمول، قياس غائب على شاهد، فلم تدرك العقول كنه الفرع لتقيسه على الأصل، وأنى للعقول القاصرة الفانية أن تدرك كنه الذات الإلهية الكاملة الباقية؟، فهو قياس مع الفارق، وأي فارق!!!!!، فالفارق بين صفة الخالق، عز وجل، وصفة المخلوق، كالفارق بين ذات الخالق، عز وجل، وذات المخلوق، وما وقع الخلط في باب الصفات والأفعال إلا من هذه الجهة، فإن مقاييس العقل النسبية المحدودة لا تدرك كمال الرب، جل وعلا، المطلق، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهي لا تدرك إلا أولا مقيدا بما بعده فهو أول من هذا الوجه، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهي لا تدرك إلا آخرا مقيدا بما قبله فهو آخر من هذا الوجه، فمدركاتها نسبية محدودة، وكماله، عز وجل، مطلق لا منتهى له، فكيف جاز للمحدود الناقص أن يحكم على الكامل المطلق؟!!!.

ومع ذلك أجاز أهل العلم في هذا الباب: نوعا من القياس يتعلق بهذا الاسم الكريم وهو: "قياس الأولى"، مصداق قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، و: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وضابطه: أن كل كمال مطلق لا يعتريه النقص من أي وجه من الأوجه جاز وصف المخلوق به، فالله، عز وجل، أولى به، مع قطع الطمع عن إدراك كيفيته، بقيد: وروده في الأخبار الصحيحة، فالباب: توقيفي، لا يتعدى فيه العقل: نصوص الوحي إثباتا ونفيا.

وأما إذا كانت الصفة: كمالا من وجه، نقصا من وجه آخر، فلا يجري هذا القياس فيها، كـ: الأكل والشرب والنكاح، على سبيل المثال، فهي في حق المخلوق: كمال، ولكنه لا يخلو من نقص الحاجة الملازم له، والله، عز وجل، منزه عن الحاجة والافتقار إلى ما سواه، فهو القيوم بذاته، المقيم لغيره، فغناه عما سواه: مطلق، وافتقار ما سواه إليه: مطلق، فضلا عن ورود النص النافي لهذه الأوصاف، نحو: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، و: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فانتفاء الملزوم: الصاحبة يدل على انتفاء اللازم: الولد.

و: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) فانتفاء اللازم: الولد يدل على انتفاء الملزوم: الصاحبة، وفي الآية سبر وتقسيم مبطل لمعتقدهم الفاسد في الرب جل وعلا:

فإنه إما أن يكون: والدا لما سواه، فيتولد من ذاته القدسية، ذات أخرى، تولد الابن من أبيه، وهذا أمر في غاية الفساد، إذ الوالد دوما مفتقر لولده، وتقدم أن الله، عز وجل، غني عما سواه.

ولا التفات لتخريف النصارى الذين قالوا بتولد: الصفة من ذاته القدسية، فيكون عيسى، عليه الصلاة والسلام، بزعمهم الفاسد، كلمة الله المتولدة منه: تولد الصفة من الموصوف، فإن الصفة لا قيام لها إلا بموصوف، فلا يتصور أن تتولد منه، تولد الابن من أبيه، لأن الابن يباين أباه، وصفات الله، عز وجل، صفات كمال أزلية أبدية، لا تباين ذاته القدسية أبدا، وإلا لزم تعطيل الرب، جل وعلا، من صفات الكمال بانفصالها عن ذاته، ولم يسمع أحد من العقلاء، أن صفة قد انفصلت عن موصوف فقامت بذاتها، فالأمور المعنوية لا يمكن أن توجد خارج الأذهان إلا قائمة بذوات حقيقية، فتكون فرعا عليها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، أما أن توجد خارج الذهن قائمة بذاتها، فتكون الكلمة التكوينية: "كن" هي عيسى، عليه الصلاة والسلام، فهذا من أبطل الباطل، لأن مآل الجسد: الموت، فيلزم من ذلك: موت صفة الكلام بموت جسد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير