فمعنى: لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وعليه يكون لفظ الجلالة: "الله": بدلا من الضمير الذي تحمله لفظ: "حق"، ولا يعارض ذلك كونه مصدرا جامدا، والأصل في الجامد ألا يتحمل ضميرا، لأن المقصود هنا: المعنى الذي دل عليه المصدر، فهو جامد لفظا مشتق معنى، وإذا كان اسم العلم الجامد الذي لا يدل على معنى أصلا كـ: "حاتم" قد يؤول بالمشتق فيتحمل ضميرا، ويصح النعت به، فتقول: هذا حاتم جودا، إذا اعتبر جنسا في الجود الذي اشتهر به حاتم الطائي، تندرج تحته أفراد، فالنعت بالمصدر أولى بالقبول، لأنه يدل على المعنى: دلالة مطابقة، بخلاف العلم الجامد الذي دل على المعنى دلالة التزام بقرينة خارجية، فلولا شهرة حاتم بالجود، لما صح تأويله بمشتق، يصح وقوعه: خبرا أو نعتا أو حالا.
وترجم البخاري رحمه الله: "بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ وَقَالَ خُبَيْبٌ وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى".
وذكر حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ******* عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ******* يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا".
وقد سمعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأقره، كما يقول الحافظ، رحمه الله، في "الفتح"، ولو كان باطلا، لما وسع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السكوت عنه، لأنه: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما سكت في موضع البيان، وسكت الوحي فلم يستدرك عليه، عُلِم من هذين التقريرين: بيان صحة قول خبيب، رضي الله عنه، وهذا أصل يفزع إليه في مثل هذه المواضع.
والإله: اسم مفعول بمعنى: المألوه، أي: المعبود، وأصله: "إلاه" على وزن: فِعال بمعنى مفعول، كـ: "إمام" بمعنى: "مؤتم به"، فلما دخلت عليه الألف واللام صار: "الإلاه"، فحذفت الألف الثانية تخفيفا، فآل اللفظ إلى: "الإله".
بتصرف من: "لسان العرب"، مادة: "أله".
والإله غير الرب، فالثاني يستلزم الأول، و:
الأول: مقصود لذاته، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فلم يقل: إلا ليعرفون، كما يقول غلاة المرجئة كجهم وأتباعه الذين قصروا الإيمان على مجرد المعرفة فلزم على مذهبهم القول بإيمان إبليس لعنه الله مع استكباره وعصيانه أمر إلهه عز وجل ولم يقل: إلا ليصدقوا بوجودي ويقروا بربوبيتي، وإن أشركوا في عبادتي فيكون معنى "لا إله إلا الله": لا خالق ولا رازق إلا الله كما ذهب إلى ذلك المتكلمون الذين سووا بين نوعي التوحيد فصار الإله عندهم بمعنى: الرب وهو أمر لم ينكره المشركون كما في قوله تعالى: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) فالرسل عليهم الصلاة والسلام لم تبعث أصالة لتقرير ربوبية الله عز وجل فهو أمر حاصل مستقر في الفطر السوية.
¥