تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني: مقصود لغيره، فمن خلق وبرأ وصور ورزق وأمات وأحيى ....... إلخ، هو المستحق لأن يفرد وحده بالإلهية، والإلهية إنما تكون: اعتقادا بالقلب، وإقرار باللسان، وعملا بالجوارح، فينقاد الباطن والظاهر لله، عز وجل، بالطاعة، فتتحرر القلوب من طاغوت الشبهات، وتتحرر الجوارح من طاغوت الشهوات، فلا سلطان عليها إلا سلطان الوحي، فإليه تحتكم فيما شجر، وله تنقاد فيما أمر، مصداق قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فلا حظ لنفوسهم، ولا ميل لقلوبهم، وإنما شأنهم تمام التسليم، فالقسم في الآية مؤكد بالنفي، وفي الكلام حذف يقتضيه السياق، فتقدير الكلام: فتقضي بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائك فينقادوا له بتمام التسليم، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

وتحكيم الوحي: عام لا مخصص له، فالوحي: صادق في خبره، حاكم في أمره، كما يقول شيخ الإسلام، رحمه الله، فله السلطان في: العقائد والشرائع، والعبادات والمعاملات، والأخلاق والسياسات، فلا يجوز عزله عن منصب الرئاسة، ولا يحل تعطيل أمره بتقديم أمر غيره، مصداق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فمتى صح النقل، سلم العقل، وانقاد القلب، فأقر اللسان، وأطاعت الجند أمر الملك، فعمرت الجوارح بالمنجيات، وعطلت عن المهلكات.

وشهود مقام الربوبية أول منازل مشهد الإلهية:

يقول ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين":

"وكذلك إِذا شهد مشهد القيومية الجامع لصفات الأفعال وأنه قائم على كل شيء، وقائم على كل نفس بما كسبت، وأنه تعالى هو القائم بنفسه المقيم لغيره القائم عليه بتدبيره وربوبيته وقهره وإيصال جزاء المحسن إليه وجزاء المسيء إليه وأنه بكمال قيوميته لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يضل ولا ينسى. وهذا المشهد من أرفع مشاهد العارفين، وهو مشهد الربوبية. وأعلى منه مشهد الإلهية الذى هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاء، وهو شهادة أن لا إله إلا هو وأن إلهية ما سواه باطل ومحال، كما أن ربوبية ما سواه كذلك فلا أحد سواه يستحق أن يؤله ويعبد، ويصلى له ويسجد، ويستحق نهاية الحب مع نهاية الذل لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، فهو المطاع وحده على الحقيقة، والمألوه وحده، وله الحكم وحده، فكل عبودية لغيره باطلة وعناء وضلال، وكل محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكل غنى لغيره فقر وفاقة، وكل عز بغيره ذل وصغار، وكل تكثر بغيره قلة وذلة، فكما استحال أن يكون للخلق رب غيره فكذلك استحال أن يكون لهم إله غيره". اهـ

وعن ضلال من ضل في هذا الباب، يقول ابن تيمية رحمه الله:

" .............. وطائفة ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خالق كل شيء وهو الذي يسمونه: توحيد الأفعال.

ومن أهل الكلام من أطال نظره في تقرير هذا التوحيد: إما بدليل أن الاشتراك يوجب نقص القدرة وفوات الكمال، واستقلال كل من الفاعلين بالمفعول محال، وإما بغير ذلك من الدلائل. ويظن أنه بذلك قرر الوحدانية وأثبت أنه لا إله إلا هو. وأن الإلهية هي القدرة على الاختراع أو نحو ذلك. فإذا ثبت أنه لا يقدر على الاختراع إلا الله، وأنه لا شريك له في الخلق - كان هذا معنى قولنا: لا إله إلا الله، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} الآيات وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} قال ابن عباس وغيره: تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير