تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا البيت يمكن أن يقرأ على أوجه متعددة، فأنت طلاق والطلاق عزيمةً ثلاثٌ أو فأنت طلاق والطلاق عزيمةٌ ثلاثاً ومن يخرق أعق وأشأم، ويختلف المعنى ويختلف الحكم الفقهي باختلاف الشكل، فإذا قال: فأنت طلاق والطلاق عزيمةً ثلاثٌ فإنه لا يلزم إلا طلقة واحدة، وإذا قال: فأنت طلاق والطلاق عزيمةٌ ثلاثا فإن ذلك ملزم لثلاث طلقات، ولذلك فمثل هذا كثير، وقد حصل للقرافي رحمه الله في قول الشاعر:

ما يقول الفقيه أيده اللـ ـه ولا زال شأنه يزدان

في فتى علق الطلاق بشهر قبلما قبل قبله رمضان

أو بعدما بعد بعده رمضان، فقال في هذين البيتين مائتان وخمسون مسألة علمية، وكل ذلك راجع إلى شكل هذين البيتين وما يتعلق بهما وما يؤخذ منهما من دلالات الألفاظ، وقد حصل للشاطبي رحمه الله قصة أخرى مع شيخه ابن الفخار أثبتها في كتابه \"الإفادات والإنشادات\" فيقول إن الشيخ ابن الفخار اجتمع عليه أهل الحديث ذات ليلة فحدثهم ثم أراد أن يحمض لهم، والإحماض لدى أهل الحديث أن ينشدهم قصة أو أدبا أو شعرا يزيل عنهم الملل، فسألهم عن معنى قول الشاعر:

رأت قمر السماء فأذكرتني

كلانا ناظر قمرا ولكن

ليالي وصلنا بالرقمتين

رأيت بعينها ورأت بعيني

فلم يستطع أحد منهم أن يحل هذا الأشكال، لم يستطع أحد من طلاب الحديث في الأندلس في ذلك الوقت ومنهم أبو إسحاق الشاطبي أن يحل هذا الإشكال، فسألوا الإمام ابن الفخار أن يشرح لهم هذا البيت فشرحه وبين لهم أن القمر قمران قمر حقيقي وقمر مجازي، فالقمر الحقيقي هو قمر السماء، والقمر المجازي هو الوجه المذكور هنا، وأن النظر كذلك إما أن يكون نظرا حقيقيا أو أن يكون نظرا مجازيا، فعين البصيرة وعين البصر نظران، وأن الرجل أراد ادعاء أن يجعل الحقيقة مجازا وأن يجعل المجاز حقيقة، فقال: رأت قمر السماء فأذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين، كلانا ناظر قمرا، ولكن رأيت بعينها، فعينها عين الحقيقة، وقد انقلبت إلي فكنت أنا ناظرا بعين الحقيقة وهي التي تنظر بعين المجاز، كلانا ناظر قمرا ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني، فمن لم يكن عارفا بما يفهم به مثل هذا من اللغة العربية سيقع في إشكالات لا نهاية لها، وكذلك فإن لسان الدين بن الخطيب رحمه الله في كتابه: \"الإحاطة في أخبار غرناطة\" ذكر الإشكالات التي يقع فيها الموثقون والقضاة عندما يكتبون الأحكام ويوثقونها فكثيرا ما يكتبون ألفاظا لا تفهم أو لا تؤدي المعنى، أو تكون أحوط وأوسع مما قاله القائل، وبذلك يقولون على القائل ما لم يقله، ويكتبون عليه ما لم يشهد به، فيقعون في شهادة الزور من حيث لا يشعرون، وذلك لنقص فهمهم للعربية، ومثل هذا في رواية الحديث، فإن كثيرا من أهل الحديث يروون الحديث بالمعنى وهي مسألة خلافية الخلاف فيها مشهور قديم، لكن المشكل أن بعضهم يلحن في روايته وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: «إن اللاحن في الحديث أحد الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»، وهو لا يلحن قطعا فمن قال عليه باللحن فقد قال عليه ما لم يقل وبهذا يكون أحد الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يعلم خطر التكلم في العلم إذا لم يكن الإنسان صاحب لسان يمكن أن يعبر به أو أن يروي به، ومثل هذا في القراءة، فإن إقامة قراءة القرآن إنما تكون بما وافق وجها نحويا، ولذلك قال ابن الجزري رحمه الله:

وكل ما وافق وجها نحوي

وصح إسنادا هو القرآن

وكان للرسم احتمالا يحوي

فهذه الثلاثة الأركان

ولذلك فالذين يلحنون في القراءة أو في الحديث كان ذلك جرحة فيهم لدى كثير ممن سواهم بل اقتضى نبذ روايتهم لدى أكثر أهل العلم، ومن هنا فعدد من الذين تكلم فيهم ما دفعوا عن ثقة ولا عن ضبط، وإنما تكلم فيهم من جهة اللحن كأبي عبد الله بن عدي الحافظ صاحب الكامل، فقد كان يلحن فتكلم فيه كثير من أهل العلم في روايته بسبب اللحن، مع أنه إمام حافظ عدل ثقة، لكن تكلم فيهم من جهة اللحن فقط، ومثل هذا ما حصل لليث بن أبي سليم مع أنه عدل لكنه كان يلحن، ولذلك يقول فيه أحد الشعراء:

ينادي ربه باللحن ليث

لذلك إن دعاه لا يجيب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير