تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتكلم فيه بعض الناس من قبل اللحن الذي يقع فيه، فقالوا: لا يوثق بروايته للحنه فيها، واللحن يقلب المعنى كثيرا، ولذلك فإن أبا الأسود حين كلمته ابنته فقالت: ما أشدُّ الحرِّ، قال: أيام ناجر، قالت: أنا متعجبة لا مستفهمة، قال: ما هكذا تقول العرب، هي أرادت: ما أشدَّ الحرَّ، فقالت: ما أشدُّ الحرِّ، ومثل هذا ما حصل للوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين عندما أتاه أعرابي فسأله فقال: ما شانَك؟ فقال: فدع في رسغي وعور في عيني، فقال له عمر بن عبد العزيز: الأمير يريد ما شأنُك، فقال: جئت ممتارا لأهلي، ثم سأله عمن معه ولحن في ذلك، فأخبره أن معه ختنه، قال: ومن ختنَك؟ يقصد: ومن ختنُك؟ فقال: حجام كان معنا بالبادية، فقال له عمر بن عبد العزيز: الأمير يريد: ومن ختنُك، فمثل هذا في اللحن كثير، ويقال إن عمر بن عبد العزيز حين كان بالمسجد والوليد يخطب قال الوليد: يا ليتها كانت القاضيةُ بالرفع، فقال عمر: وددتها والله، ود لو مات عندما قرأها هكذا، ولذلك فإن سبب قراءة سيبويه للنحو أنه في البداية اشتغل برواية الحديث، ولكنه قرأ: «ما من أصحابي إلا من شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء، فقرأها هو: ليس أبو الدرداء، فلحنه أصحابه وهزءوا به، فعدل عن قراءة الحديث وذهب حتى تمرس في اللغة وألف الكتاب ثم بعد ذلك روى الحديث، ولذلك فإن مالكا رحمه الله قد درس النحو على الخليل بن أحمد فجلس عنده أسبوعا يلازمه حتى أتقن النحو فيه، والشافعي رحمه الله لم يشتغل بدراسة العلم حتى جلس في قبيلة بني هذيل حتى حفظ عشرين ألفا من أشعارهم، ونحو هذا كثير جدا في حال سلفنا، فمن لم يكن ذا سلاح من علم النحو لا يمكن أن يفهم ولا أن يفتي في كثير من المسائل، ثم بعد النحو علم مفردات اللغة، وهو العلم الثاني في الأهمية، فهذه اللغة العربية ليست مثل غيرها من اللغات، بل لها كثير من المفردات المتداخلة، بعضها يجمعها جذر واحد وبعضها يختلف في الجذر، وبعضها يعرف في بعض المناطق دون بعض، والقرآن الكريم قد اختير من خير هذه الكلمات والمفردات، واختار الله له أفضل التعبيرات، فلذلك فتارة يأتي التعبير بلغة حمير لغة أهل اليمن وتارة بلغة أهل نجد وتارة بلغة أهل الحجاز يختار من كل لغة أحسنها وأفصحها وأدقها معنى وأحسنها ذوقا حتى يتكامل ذلك ويكون جميعا من اللغة العربية المختارة، والذين يزعمون أن القرآن جاء بلغة قبيلة واحدة من العرب يغلطون في هذا ويرد عليهم الاعتراض وقد جاء أحد النحويين من أهل اليمن وكان في مجلس الخليفة هارون الرشيد، فأخبره أن القرآن نزل بلغتهم وبدأ يسرد بعض الكلمات التي لا يعرفها قريش وهي في القرآن من لغة أهل اليمن ويذكر شواهدها فلما أطال كان بحضرته أحد القرشيين، فقال: أسمعت ما يقول هذا اليماني قال: لا أدري ما يقول، غير أن الله تعالى يقول فيه كتابه: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} ولم يقل: جعلوا شناترهم في صناراتهم، وهذه لغة أهل اليمن، الشناتر الأصابع والصنارات الآذان، فالله تعالى يختار من الكلمات ألطفها وأقربها للذوق الصحيح السليم، سواء كان من لغة أهل اليمن أو من لغة أهل الحجاز أو من لغة أهل نجد أو غيرهم، ومن لم يعرف مفردات اللغة لم يحل له الكلام في التفسير ولا التفهم فيه ولا التدبر في كثير من الكلمات، بل إن كثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتورعون من الكلام في بعض الكلمات التي جاءت في القرآن إذا لم تكن من لغتهم ولم يعرفوا دلالاتها ومدلولاتها، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه قال: «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن ما لا أعلم» وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في مجلسه فأتته امرأة من أهل اليمن تستعديه على زوجها، فقالت: يا أمير المؤمنين إن بعلي عبد حقي وترك الوصيد رهوا ولي عليه مهيمن فهل لي عليه من مسيطر؟ فقال: لم أفهم ما تقولين، فقال ابن عباس: كلمات كلهن في كتاب الله، إن بعلي أي زوجي، {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} عبد حقي أي تركه وضيعه {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي التاركين لعبادة ذلك الولد أو لعبادته، وترك الوصيد رهوا، الوصيد الباب {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} رهوا أي مفتوحا {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} ولي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير