عليه مهيمن أي شاهد {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} فهل لي عليه من مسيطر أي حاكم {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}، فاستشهد له ابن عباس على الكلمات التي أطلقتها هذه المرأة وأنها كلها في القرآن ففهم عمر دلالاتها وأعداها على زوجها، ونظير هذا ما حصل لابن عباس رضي الله عنهما مع نافع بن الأزرق أمير الأزارقة من الخوارج، فإنه أتاه من العراق يسأله عن تفسير كلمات من مفردات اللغة العربية في القرآن، فأطال عليه وأكثر واشتهرت هذه المسائل فيما بعد بمسائل ابن الأزرق، وهي تربو على مائتي مسألة من المفردات القرآنية، منها مثلا قول: {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قال: ما معنى غير ممنون قال: غير مقطوع، أما سمعت قول الحارث بن حلزة اليشكري:
فترى خلفها من الرجع والوقـ
ـع منينا كأنه إهباء
سأله عن عدة كلمات من هذا ويذكر له شواهدها في اللغة، فبينما هو كذلك إذ ضجر به، فجاء عمر بن أبي ربيعة المخزومي فسأله ابن عباس عن آخر ما قال من الشعر فأنشده قصيدته التي مطلعها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
بحاجة نفس لم تقل في جوابها
غداة غد أم رائح فمهجر
فتبلغ عذرا والمقالة تعذر
حتى أتى على آخر القصيدة وهي ثمانون بيتا، فحفظها ابن عباس بهذه المرة الواحدة، فقال له نافع بن الأزرق: «لله أنت يابن عباس نضرب إليك آباط الإبل في طلب العلم فتعرض عنا ويأتيك شاب حدث من قريش ينشدك سفها فتسمعه» فقال: «ما سمعت سفها» فقال: بلى، أما سمعت قوله:
رأت رجلا أَيْمَى إذا الشمس عارضت
فيخزى وأيمى بالعشي فيخسر
فقال ما هكذا قال، إنما قال:
رأت رجلا أيمى إذا الشمس عارضت
فيضحى وأيمى بالعشي فيخصر
ثم سأله عن قول الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} فقال: ما معنى قوله: وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى؟ قال: تضحى تبرز للشمس، قال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: أما سمعت قول المخزومي بالأمس:
رأت رجلا أيمى إذا الشمس عارضت
فيضحى وأيمى بالعشي فيخصر
ولذلك فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى بديوان العرب وحفظه، وكان يتعهد أشعار العرب ويستمع إليها، ولهذا فإن حسان بن ثابت كان ينشد بعض أشعاره في المسجد فكان عمر إذا أنشد حسان شيئا من شعره في هجاء المشركين أو في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذن له فإذا ذكر شيئا من أشعاره في الخمر وأمور الجاهلية خرج عمر، فمر به وهو ينشد شيئا من أشعاره في أولاد جفنة من قصيدته اللامية التي يقول فيها:
أبناء جفنة حول قبر أبيهم
يغشون حتى ما تهر كلابهم
يسقون من ورد البريص عليهم
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
نجل ابن مارية الكريم المفضل
لا يسألون عن السواد المقبل
بردى يصفق بالرحيق السلسل
شم الأنوف من الطراز الأول
حتى أتى على القصيدة فغضب عمر من إنشادها، وكان جَبَلَةُ بن الأيهم إذ ذاك قد تنصر وهرب إلى الروم وأرسل بهدية إلى حسان فامتدحه حسان بأبيات يقول فيها:
إن ابن جفنة من بقية معشر
لم ينسني بالشام إذ هو ربها
يعطي الجزيل ولا يجده عنده
وأتيته يوما فقرب مجلسي
لم يغذهم آباؤهم باللوم
كلا ولا متنصرا بالروم
إلا كبعض عطية المذموم
وسقى فرواني من الخرطوم
فغضب عمر حين امتدح هذا الكافر فقال له حسان: مه يابن الخطاب فقد كنت أنشده وفيه من هو أفضل منك فما تعداها عمر، وكذلك فإن عمر كان يسأل الشعراء ويقيم بينهم المفاضلة، فأتاه رجل من ذرية هرم بن سنان فسأله: قال: ما نحل جدك هرم زهير بن أبي سلمى، فقال: أعطاه أثوابا خلقت، وأموالا نفدت، قال: لكن ما كسا زهير أباك لا ينفد، فأنشده بعض مدحه فيه بقوله:
يكلف شأو امرأين قدما حسنا
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما
أو يسبقاه على ما كان من مهل
إلى أن يقول فيها:
بل اذكرن خير قيس كلها نسبا
القائد الخيل منكوبا دوابرها
غزت سمانا فآضت ضمرا خدجا
نال الملوك وبذى هذه السوقا
على تكاليفه فمثله لحقا
فمثل ما قدما من صالح سبقا
وخيرها نائلا وخيرها خلقا
قد أحكمت حكمات القد والأبقا
من بعد ما جنبوها بدنا عققا
¥