تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فطرب عمر لهذه الأبيات وأخبر أن ما كساه زهير هذا الرجل لا يخلق ولا يبلى، وكذلك سأل عمر أحد الشعراء عن أشعر الناس فجرى على عادة العرب أن يفضلوا من كان بينه وبينهم قرابة ليفخروا بشعره، فقال: لا بل أشعر العرب من يقول: من ومن، أو قائل: من ومن يقصد به زهير بن أبي سلمى في حكمه التي قال في آخر معلقته الميمية، ومن لم يعرف مفردات هذه اللغة فكثيرا ما يلتبس عليه الكلام ولا يفهمه وبالأخص في زماننا هذا الذي تداخلت فيه اللغات والحضارات، ولا أزال أعجب من بعض المثقفين الذين يحاولون ترجمة القرآن إلى لغات أخرى وهم لا يتقنون مفردات اللغة العربية فيقعون في أخطاء عجيبة، ترجم أحدهم القرآن بالفرنسية وهو من المتبجحين بالمهارة في اللغات، لكنه قال في قول الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} فسر حافِّين بحافِين بأن معناها بلا نعال، وكذلك آخر حاول ترجمة القرآن إلى الإنجليزية فترجم قول الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} قال ما معناه: لا تجعل يدك مربوطة إلى عنقك ولا تبسطها بسطا شديدا حتى تنخلع، فلم يفهم هذه المفردات ومن هنا وقع في هذا الغلط البالغ، ونظير هذا كثير جدا، فكثيرا ما يقع الإنسان في إشكال وهو يتدبر آية من القرآن أو يتفهم حديثا فيخطئ في فهمه خطأ بالغا، ولهذا فإن الأولين لم يكن لديهم النقاط التي تميز الحروف وإنما كانوا يميزونها بفطرتهم وذوقهم إذا قرأ الإنسان قرأ على السليقة فلم يخطئ، ولذلك يقال بأن الشافعي رحمه الله عندما أراد أن يحفظ القرآن وقد سمعه مرة واحدة، أراد أن يراجعه حفظه في المرة الواحدة فأراد أن يراجعه فأخطأ في كلمات في نقاط الحروف فقط، فقرأ قول الله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} قرأها يعنيه، وهذا مناسب للذوق وهو نفس المعنى لكنه غير موافق للرواية فكان ذلك خطأ، ونحن اليوم قد فسدت أذواقنا اللغوية فلم يعد أحد منا يستطيع أن يتكل على الحروف على أشكال الحروف دون النقاط، بل منذ وضع الحجاج نقاط الحروف واستعان في ذلك بأبي الأسود الدؤلي اجتهد الناس في ضبط هذه النقاط والاعتماد عليها في التفريق بين الحروف، ولذلك اشتهر في المحدثين بعض المصحفين، واشتهرت رواياتهم بالتصحيف، حتى إن رجلا قرأ حديثا فيه: حدثنا فلان قال أخبرنا فلان إلى أن بلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عن رجل، فقال له أحد الحاضرين ويلك ومن الرجل الذي يحدث عنه ربنا عز وجل، فإذا هو صحف عن الله عز وجل، فقرأها عن رجل، عز وجل قرأها عن رجل، وقد قال القاضي عياض رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم عند حديث جعفر بن مبشر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل حين أدبر: «أفلح وأبيه إن صدق» قال القاضي عياض: هذه الرواية وإن ثبتت في الصحيح فهي مصحفة، فأصل الكلام أفلح والله إن صدق، ولكن طالت الألف وقصرت اللام ولم يكن هناك نقاط فصارت وأبيه بدل والله، وهذا تأويل القاضي عياض رحمه الله في هذا الأمر، وإن كان كثير من المحدثين لا يوافقونه فيه، كذلك فإن الذين يريدون تفهم المسائل والقضايا كالوصايا والأوقاف ونحوها كثيرا ما يخطئون بالتصحيف إذا لم يكونوا من المتقنين لمفردات اللغة العربية، بل كثير منهم يأخذ حديثا فيقرؤه على وجه فاسد ويحاول تطبيقه كذلك فقرأ أحدهم: \"الحبة السوداء شفاء من كل داء\" فقرأها \"الحية السوداء شفاء من كل داء\" فأخذ حية ذات سم وظنها شفاء، وهذا العلم لا بد من معرفته، ولذلك اعتنى به أسلافنا وبلغت العناية به أن كثيرا منهم كان يستطيع عد مفردات اللغة كالخليل بن أحمد الذي ألف كتاب العين أراد بذلك أن يعد الإنسان مفردات اللغة في يديه، قال: «من حفظ كتابي هذا استطاع أن يعد مفردات اللغة في أصابعه» كتاب العين للخليل بن أحمد، ثم بعد هذا العلم الثالث، وهو علم التصريف، الذي يعرف به أوجه الاشتقاق في الكلمات، وهو علم كذلك لا غنى عنه في تفسير القرآن والسنة، ولا يمكن أن يكون الإنسان صاحب تدبر وتفهم إلا إذا كان متقنا لهذا العلم، ومن هنا فكثير من خلافات الفقهاء في الاستنباط أصلها الخلاف في مسائل صرفية، فمثلا قال ابن الأنباري رحمه الله: إن الخلاف بين المالكية والشافعية في العدة هل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير