تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هي بالحيض أو بالأطهار خلاف أصله راجع إلى التصريف، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فقال: القرء الذي يجمع على قروء هو الحيض، والقرء الذي يجمع على أقراء هو الطهر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: «اتركي الصلاة في أيام أقرائك» فقال هو: القروء هي الحيض والأقراء هي الأطهار، واستدل على ذلك بقول الأعشى:

أفي كل عام أنت عازم غزوة

مورثة مالا وفي الحي رفعة

تشد لأقصاها عزيم عزائكا

لما ضاع فيها من قروء نسائكا

والذي يضيع هو الأطهار لا الحيض، واستدل كذلك بقول الراجز:

يا رب ذي ضغن علي قارض

له قروء كقروء الحائض

فالقروء هنا للحيض لا للأطهار، ونظير هذا كثير جدا في الكلمات القرآنية أو كلمات السنة التي يكون الاختلاف في فهم دلالاتها سببا للاختلاف في مسائل فقهية، ويكون ذلك راجعا إلى أحد علوم اللغة المذكورة، ثم العلم الرابع من هذه العلوم هو علم المعاني الذي يتم به التعبير على الوجه الصحيح من التقديم والتأخير والحذف والإثبات وغير ذلك مما يحتاج إليه المعبر في كلامه، ولا يمكن أن يفهم الإنسان سرد الكلام ولا تفصيل الجمل إلا إذا كان عارفا بعلم المعاني، ثم العلم الذي بعده هو علم البيان الذي يقصد به التعبير بأساليب متنوعة عن معنى واحد كالحقيقة والمجاز والكناية والتصريح وأنواع التشبيه، فهذا العلم من لم يتقنه لا يمكن أن يفهم كثيرا من دلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، ثم بعد هذا علم البديع الذي يدرك به الإعجاز في القرآن، فإن كثيرا من الناس يؤمنون بسبب إعجاز القرآن اللفظي، حتى إن أعرابيا قرأ عليه قارئ قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} فلما وصل إلى قوله: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} خر ساجدا، لإعجاز هذه الألفاظ في ترتيبها ودقتها في وصف المطر، وتهيئته وإنزال الغيث منه، وكذلك فإن كثيرا من الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية عهده، إنما كان إعجازهم بهذا القرآن تحديا بالألفاظ نفسها والسياق، ولذلك قال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت سجع الكهان وشعر الشعراء وخطب البلغاء فما سمعت شيئا كهذا القرآن، وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا النوع من الإعجاز فيه وأرشد إليه في عدد كبير من الآيات، ثم بعد هذا من هذه العلوم علم الاشتقاق الذي تفهم به العلاقة بين ألفاظ اللغة، وتجعل به اللغة سلالات متقاربة، وهذا العلم كذلك معين على أوجه التدبر المختلفة، ومعين على الاستنباط لكثير من الأحكام من الآيات ومن الأحاديث، ثم بعد هذا علم آخر من علوم اللغة العربية وهو علم آداب العرب وأشعارها، ولا يمكن أن يستدل لأي معنى من معاني القرآن أو السنة إلا من خلال هذا العلم، فإن الاستدلال بدلالات الألفاظ إنما تكون على هذا الوجه، ومن أشعار العرب تؤخذ وتعرف، ولذلك أوصى عمر بحفظ ديوان العرب، وكذلك من هذه العلوم اللغوية المهمة علم التاريخ الذي يعرف به طريقة التأريخ لأية حادثة، فتاريخ العرب يبدأ بالليالي لسبقها على الأيام، ويعبر عنه بعبارة مناسبة سواء كان في أول الشهر أو في آخره، ومن لم يتقن ذلك لم يستطع الاستدلال بالتاريخ، والتاريخ ضرب من ضروب الاستدلال بالقرآن ولهذا رد الله تعالى على اليهود والنصارى حين زعموا أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا، فقال الله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} فبداية اليهودية نزول التوراة، وبداية النصرانية نزول الإنجيل، وإبراهيم ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، فهذه الدعوى باطلة، ومثل هذا ما استدل به الخطيب البغدادي حين جاء اليهود بوثيقة يزعمون فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عنهم الجزية، وهي وثيقة قد كتبوها في عصور سابقة، ووضعوا عليها الزيت ووضعوها في الشمس أو سخنوها على النار حتى أصبحت قديمة، وأخرجوها بأيام أحد خلفاء بني العباس، فلما عرضت هذه الوثيقة على الخطيب البغدادي بصق عليها وقال: هذه مزورة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: من أين لك ذلك؟ فقال: ذكر من شهودها سعد بن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير