تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمي من بعده مجموعة من تلاميذه المخلصين على رأسهم: شيخ الإسلام ابن القيم، رحمه الله، ولازال فكر هذه المدرسة المباركة موردا عذبا لكل الحركات الإصلاحية التي تلت عصر ابن تيمية، لاسيما حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في نجد، فضلا عن كثير من الحركات ذات التأثير المحلي، إن صح التعبير، كحركة الشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، في الجزائر الحبيب، بل واستفادت منه كثير من الحركات الإسلامية ذات الطابع الحركي كحركة الشيخ حسن البنا، رحمه الله، في مصر.

وبزوال الخلافة الإسلامية من حاضرة الدنيا: بغداد، ظل المسلمون متطلعين إلى من يشغل مقعد "الخلافة" الشاغر، حتى نجح الظاهر بيبرس، رحمه الله، في إحياء الخلافة العباسية في دورها الثاني، في مصر، فاستقدم أحد أعمام الخليفة المستعصم ممن نجوا من مذبحة بغداد، ونصبه خليفة في مصر، ولكنها كانت خلافة صورية.

وفي هذه الأثناء: ظهر قوة سنية جديدة في بلاد الترك ورثت ملك السلاجقة وتوسعت في آسيا الصغرى، تلكم هي قوة: آل عثمان، رحمهم الله، الذين عبروا إلى القارة العجوز من جهة الشرق في ثاني عبور ميمون، بعد العبور الأول إلى الأندلس، في وقت كان الإسلام يحزم حقائبه استعدادا للرحيل من جهة الغرب التي ظل فيها ثمانية قرون كانت سببا لنهضة أوروبا الحديثة التي عرفت معنى المدنية باتصالها بحواضر الأندلس العلمية لاسيما: "قرطبة" حاضرة الخلافة، أعظم مدن أوروبا في العصور الوسطى، ونجح آل عثمان في اختراق شرق أوروبا حتى وصلوا إلى "فيينا" عاصمة النمسا، ولم يردهم عنها إلا خيانة الصفويين الذين تواطئوا مع دول أوروبا النصرانية لضرب الخلافة العثمانية السنية، ومرة أخرى كان الانحراف العقدي، سببا في وقوع الفرقة التي فتت عضد المسلمين وأوقفت زحفهم المبارك على ممالك أوروبا النصرانية، العدو التاريخي للإسلام من لدن ظهوره إلى يومنا هذا.

والتاريخ يحدثنا عن نشأة الصفويين العقدية، وهم ينسبون إلى: صفي الدين الأردبيلي، نسبة إلى "أردبيل"، فقد نشأ القوم شافعية متصوفة، ثم لم يلبثوا أن أظهروا الغلو المذموم في آل البيت، رضوان الله عليهم، واستولوا على فارس، وحملوا أهلها، وكان أكثرهم من أهل السنة، على التحول عن مذهبهم بحد السيف، شأنهم في ذلك شأن أي مبتدع يحمل الناس على معتقده تحت تهديد السلاح، ونكل القوم بعلماء أهل السنة لاسيما في حواضر فارس الكبرى كـ: "تبريز"، وقد انكسرت شوكتهم إلى حد ما بعد هزيمتهم الكبرى أمام جيوش الخلافة العثمانية بقيادة السلطان: سليم الأول، رحمه الله، في معركة "جالديران" الشهيرة، ولكنهم ظلوا شوكة في ظهر الخلافة الإسلامية، بل وفي ظهر المسلمين إلى يومنا هذا، وما يجري في العراق الحبيب خير شاهد على ذلك، وإن أظهر القوم ما أظهروا من شعارات الوحدة "الدبلوماسية" التي لا تروج إلا على السذج من أهل السنة.

وتمكن العثمانيون، بفتح مصر وإنهاء حكم المماليك، من توحيد الصف المسلم فانتقل رسم الخلافة إليهم، وآل ملك الحجاز، قبلة المسلمين الروحية إليهم، في وقت ضعف فيه سلطان المماليك على البحر الأحمر، واقترب الخطر البرتغالي الصليبي من الأراضي المقدسة، فكان لابد من تدخل القوة العثمانية الفتية لحماية المقدسات الإسلامية، ولو تطلب الأمر إزالة دولة المماليك، فآل الأمر إلى دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما.

ولكن خطر الفرقة لم يزل، فما زال في عقيدة الأمة شوائب كلامية وبدع عملية، فالدولة ماتريدية في الأصول، والماتريدية رافد من روافد علم الكلام الذي خرج بمعضلاته العقلية عن حدود العقيدة الصافية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه، وسلف الأمة، حنفية في الفروع، وقد غلب على متأخري الأحناف، الجمود الفقهي، ولا زال هذا الأمر مستمرا إلى الآن، صوفية المسلك، فللتصوف مكانة بارزة في دولة الخلافة، امتد لشخص السلطان، فعرف عن كثير من السلاطين المتقدمين كـ: بايزيد الثاني، رحمه الله، والمتأخرين كـ: السلطان عبد الحميد الثاني، رحمه الله، التصوف، مع ما لهم من أيادي بيضاء على دولة الإسلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير