على آرائهم في كثير من القضايا التي تتعلق بالعربية وعلومها ..
شيخنا المبجل, لدي تساؤل أرجو من سعادتكم التفضل بالتعليق عليه:
يرى بعض علماء اللغة المحدثين أن انتهاج النحاة القدامى للمنهج المعياري, وعدم انتهاجهم للمنهج الوصفي, قد أفقد العربية كثيراً من حيوتها ومرونتها ..
فما تعليقكم عليه؟؟ ولكم الشكر الجزيل ..
الوصفية والمعيارية
أكثر ما يوجه إلى النحو العربي من النقد أنه نحو معياري بمعنى أنه نحو يهتم بتخطئة الاستعمال وفاق معايير محددة ويرى اللسانيون المحدثون أن على النحو أن يكون وصفيًّا بمعنى أن يصف اللغة كما هي لاستنتاج نظامها وفاقًا للزمن الذي تظهر فيه بمعنى أن ينقاد النحو لاستعمال الناس ويرصد تغير ذلك الاستعمال دون تدخل من تصويب أو تخطئة. وكان المنادون بذلك نفر من الذين درسوا العلوم اللغوية في أوربا إبان ازدهار الاتجاه البنيوي في الدرس الاجتماعي واللغوي في القرن الماضي، فقد كانت دروس الألسنية لدي سوسير هي المسيطرة في ذلك الوقت، وكانت الوصفية مثالية للتعرف على اللغات الأجنبية غير الأوربية، ومن العرب الذين ثقفوا هذه الدروس في أوربا عبدالرحمن أيوب ومحمد كمال بشر، وتمام حسان، وحين عاد هؤلاء من البعثة وجدوا الدرس النحوي يدور في فلك شروح الألفية وحواشيها ورأوه نحو لغة قديمة وأما اللغة المستعملة في عصرهم فليس لها نحو مكتوب، وانصبت جهودهم في اتجاهين أحدهما نقد النحو العربي كما عند أيوب والآخر في وضع بديل كما عند تمام حسان في العربية معناها ومبناها. وأما الوصفية نفسها فهي الخطوة الأولى لكل نحو لغة وبه بدأ التفكير النحوي العربي وأما المعيارية فهي تحقيق للغرض من وضع نظام اللغة ونحوه لأن الغرض منه لا يقف عند كشف النظام بل عند الاهتداء بأحكامه عند الاستعمال. والاختلاف بين العربية وغير العربية أن العربية لا تميز بين الأحقاب التاريخية فنحن نقرأ القرآن والحديث الشريف والشعر الجاهلي ونفهم كثيرًا منه وإن باستعانة من معجم أو غيره، المهم أننا لا نحس الغرابة في ذلك وليس كذلك الشأن في اللغة الإنجليزية التي انقطع أهلها عن أشعار شكسبير بنصها لشدة تغير اللغة. وأما محاولات الدارسين المحدثين فأدع غيري من المحدثين يصفها لك، فهذا رشاد الحمزاوي (العربية والحداثة، ص222 - 223) يقول ما نصه:"أما المؤلفات المسكشفة سابقًا فإنها تتميز بما يلي:
1 - قلة وفرتها بالنسبة لما توفر منها في اللغات الأجنبية خاصة.
2 - عدم تعبيرها عن جميع مراحل علم اللغة ونظرياته المختلفة في تعاقبها وتداخلها وتطورها.
3 - ميلها في جلها إلى الوصف والتاريخ والتنظير وفيها أحيانًا تعميم وسطحيات وهنات.
4 - انعدام الاهتمام غالبًا بتطبيق النظريات على العربية حتى في المستوى النظري. وذلك ما يعتبر دليلاً على أننا في مرحلة النسخ ولم نبلغ مرحلة الهضم ثم التلقين والتبليغ.
5 - القطيعة القائمة بين هؤلاء المؤلفين ومؤلفاتهم وجمهور القراء من أدباء ومربين وطلاب إلخ.
6 - قلة حظها من التدريس بالجامعات العربية لفرابتها وشذوذها، على أن هذه السلبيات لا تمنعنا من أن نقر الجهد الذي يبذله اللغويون العرب لتجديد تفكيرهم اللغوي وبالتالي جعل العربية وافية بضرورات العلوم لمواكبة حضارة العصر".
وبعد أقول إن الوصف طريق وضع النحو وأن المعيار نظامه وأن التخطئة والتصويب غرض من أغراضه، ومن المهم أن نقول إن العربية كل لا ينفصل بعضها من بعض وأنا بحاجة إلى نحو جديد ينطلق من نحوها القديم بتجاوز ما فيه من عيوب وتحكم عقلي بعيد عن الوصف اللغوي كما ظهر في كتب أوائل النحويين.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[12 - 04 - 2008, 09:22 ص]ـ
الأخ الكريمُ / أبا أوس
ذكرتَ أنّ (ضحيتَه) في قولِهم: (ذهبَ ضحيتَه) يُعرَبُ مفعولاً لأجلِه. وفي رأيي أن هذا لا يصِحّ لأمرينِ:
الأوّلُ: أنّ (ضحية) ليسَ بمصدرٍ. ومن شرطِ المفعولِ لأجلِه أن يكونَ مصدرًا.
الثاني: أنه ليسَ علةً للفعلِ؛ فلا يصِح جوابًا لـ (لماذا كانَ كذا؟).
وفي هذينِ الشرطينِ قالَ الإمامُ سيبويهِ - رحمةُ اللهِ عليهِ -: (هذا بابُ ما ينتصبُ من المصادرِ، لأنه عذرٌ لوقوعِ الأمرِ؛ فانتصبَ، لأنه موقوعٌ له، ولأنه تفسيرٌ لما قَبلَه، لِمَ كانَ؟) [الكتاب 1/ 367، هارون].
والذي أراه هو الحقَّ أن هذه الكلمةَ غيرُ صوابٍ، ولا داعيَ لأن نكلّفَ النحوَ ما لا يَحتملُه، ولا أن يكونَ شأنُنا تصحيحَ ما يبتدعُ المحدَثونَ!
ولا يجوزُ أن تكونَ حالاً، لأنها معرفةٌ. فلو قلتَ: (ذهبَ ضحيةً لكذا) لكنتُ أراه صوابًا.
أبو قصي
أشكر أخي أبا قصي مراجعتي في أمر ذهب ضحيته كذا وكذا. وذهب إلى أن إعرابي له مفعولاً لأجله غير صحيح لسببين أولهما أن (ضحية) ليس بمصدر والثاني أنه ليس علة للفعل.
وأقول أما أن (ضحية) ليس بمصدر فهو صحيح إن كنت تقصد المصدر القياسي فالفعل (ضحّى) مصدره القياسي (تضحية) وأما (ضحية) فهو ما يسمى عندهم اسم مصدر ويستعمل استعمال المصدر. هذا أمر، والأمر الآخر هو أنه قد ينوب عن المصدر غير المصدر والمهم أن يقوم بوظيفته وكذلك تكون النيابة في باب الحال والمفعول المطلق والنعت والمفعول فيه وغيرها.
أما كونه سببًا للفعل فهو ظاهر فالمعنى: هلك الأشخاص بسبب الحادث، والتركيب فيه مجاز فكأن الحادث قد ضحّى بالأشخاص فهم قد هلكوا من أجل أن يكونوا ضحية لهذا الحادث. كما تقول مات الجند فداء للوطن.
واللغة أخي أبا قصي ليست عقلا.
¥