تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والبلاغة لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع المعاني.

لا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة، وإن قيل فيها إنها فصيحة. وكل كلام بليغ فصيحٌ وليس كل فصيحٍ بليغاً، كالذي يقع فيه الإسهاب في غير موضعه.

( http://www.aklaam.net/forum/showthread.php?t=4361)

فصاحة القرآن المعجزة:

المهم في فصاحة الكلمة كونها عذبة مألوفة الاستعمال، جامعة لنعوت الجودة وصفات الجمال، كما أن المهم في فصاحة الكلام تلاؤم الكلمات في الجمل بحيث يوجب حسن الكلام في السمع وسهولته في الأداء ويستحسنه الطبع، وأما غير العذوبة والتلاؤم من الشرائط فهي في الدرجة الثانية في من تحقيق معنى الفصاحة، بل ولا يكون بعضها معتبراً في الفصاحة القرآنية، كمخالفة القياس في فصاحة المفرد، وضعف التأليف بمعنى كونه على خلاف القانون النحوي المختلف، وذلك لأن القرآن هو المقياس لا العكس، فإن القرآن إما كلام إلهي – وهو كذلك – فهو فوق القواعد، وإما كلام بشري، فهو صدر من عربي صميم في أعرق بيت من العرب ترحل إليه المواكب وتحط رحالها عنده.

والذوق السليم هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وسلاستها وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه، لأن الألفاظ أصوات، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفر من أصوات البوم والغربان، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبة متنافرة الحروف.

ولأجل أن لتلاؤم الحروف دوراً عظيماً في الفصاحة، نركّز في هذا البحث على الخلو من تنافر الكلمة والكلمات، بأن لا تكون نفس الكلمة ثقيلة على السمع، كما لا يكون اتصال بعضها ببعض مما يسبب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان، وبما أن مخارج الحروف مختلفة، فلا بد في حصول التلاؤم من مراعاة ذلك، بأن لا يكون بين الحروف بعد أو قرب شديد، فعندها تظهر الكلمة أو الكلام سهلاً على اللسان، وحسناً في الأسماع ومقبولاً في الطباع، وهذا وإن لم يكن ملاكاً كلياً لتمييز المتلائم من المتنافر إلا أنه ميزان غالبي.

إذا عرفت ذلك فهلمّ معي حتى نرجع إلى القرآن الكريم ونرى نماذج من فصاحته المعجزة: مثلاً: قوله سبحانه:

((ومن آياته الجوارِ في البحر كالأعلام)).

إن لهذه الآية تميزاً ذاتياً عن كلام البشر لا يتمارى فيه منصف، ولا يشتبه على من له ذوق في معرفة فصاحة الكلام، وذلك التميز رهن فصاحة أبنيتها وعذوبة تركيب أحرفها، مضافاً إلى سلاسة صيغها والشاهد على ذلك كله الذوق السليم.

من عجائب القرآن أنه يعمد إلى ألفاظ ذات تركيب يغلب عليه الثقل والخشونة، فيجمعها في معرض واحد ثم ينظم منها آياته، فإذا هي وضيئة مشرقة، متعانقة متناسقة ومن نماذج ذلك قوله سبحانه:

((قالوا تالله تَفْتَؤا تذكر يوسف حتى تكون حَرَضا أو تكون من الهالكين)).

فيها كلمات ثقيلة بمفردها ثقلاً واضحاً في السمع واللسان أعني قوله ((تالله … تفتؤا … حرضا)) لكنها قد انتظمت مع خمس كلمات أخرى، فكان من ثمانيتها عقد نظيم يقطر ملاحة وحسنا.

وأيضاً من بدائع القرآن وغرائبه أن يكرر الحرف الثقيل في آية واحدة ولكنه يلطفه بحروف خفيفة بنحو يعلو مجموعه العذوبة والخفة، مكان الثقل والخشونة، ومن هذا النوع قوله سبحانه:

((قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممن معك وأممٌ سنمتعهم ثم يمسهم منا عذابٌ أليم).

فقد اجتمعت فيها ثمانية عشر ميماً منشورة بين كلماتها حتى كأن الآية مشكّلة من ميمات، ومع هذا فإنك إذ ترتل الآية الكريمة على الوجه الذي يرتل به القرآن، لا تحس أن هنا حرفاً ثقيلاً قد تكرر تكراراً غير مألوف بل تجد الآية قد توازنت كلماتها في أعدل صورة وأكملها.

ونظيرها قوله سبحانه:

((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتُعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك أنت على كل شيء قدير)).

ففي الآية اثنا عشر ميماً، قد جاءت في مطلعها ولكنها مع ذلك كأنها ميم واحدة.

ونظيرها أيضاً قوله تعالى:

((واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر قال لأقتلنّكَ قال إنما يتقبل الله من المتقين)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير