تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فعند أحمد، رحمه الله، في مسنده من حديث أَبِي نَضْرَةَ قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"، والحديث عند الطبراني، رحمه الله، في "المعجم الأوسط" من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، وعند البيهقي، رحمه الله، في "شعب الإيمان" من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، فوردت تسمية المحدث المبهم في رواية أحمد، رحمه الله، ولو لم يرد، فالحديث مقبول، لأن الصحابة، رضي الله عنهم، عدول لا تضر جهالة أعيانهم، كما قرر علماء المصطلح.

وقد فطن عمر، رضي الله عنه، لهذا الأمر فقال:

"والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فلا ينظر رجل إلى القرابة ويعمل لما عند الله، فإن من قصر به عمله لا يسرع به نسبه"، والخبر عند ابن سعد، رحمه الله، في "الطبقات الكبرى".

ويكذبه العقل: فإن مناط التفاضل إنما يكون بالأمور الكسبية، والفضائل، إنما تكتسب بمران النفس عليها، فتحتاج إلى جهاد نفس يستوي فيه العربي والعجمي، والرجل والمرأة، وإن كانت هذه القاعدة غير مطردة في باب النبوة، فالنبوة أمر وهبي، لا كسب فيه، خلافا لزنادقة الفلاسفة أمثال ابن سبعين ومن على شاكلته، ويقال، أيضا، الفضائل، وإن كانت تكتسب، إلا أن مظنتها في العربي والرجل أقوى منها في العجمي والمرأة، لما امتاز به العربي على العجمي من قوة بيان، ولما فضل به الرجال على النساء من قوة في العقل والقلب، ولكن يبقى حجر الزاوية في هذا الأمر: عمل الإنسان وكسبه لا نسبه وجنسه.

ويكذبه الحس: فكم من أعاجم قد سادوا بفضائلهم، وكم من عرب قد ذلوا بنقائصهم، وقد قدم الإسلام إلى البشرية جيلا فريدا من الأعاجم الذين دخلوا في الدين الحق: قلبا وقالبا، فظهرت طبقة الموالي أمثال نافع، مولى ابن عمر رضي الله عنهما، وعكرمة مولى ابن عباس، رضي الله عنهما، وهي طبقة حملت على كاهلها مهمة حمل العلم ونشره.

يقول ابن الصلاح، رحمه الله، في مقدمته الشهيرة في علوم الحديث في النوع الرابع والستين: "معرفة الموالي من الرواة والعلماء":

روينا عن (الزهري) قال: قدمت على (عبد الملك بن مروان) فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت: (عطاء بن أبي رباح). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبمَ سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت: (طاووس بن كيسان). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت: (يزيد بن أبي حبيب). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت: (مكحول). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: (ميمون بن مهران). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: (الضحاك بن مزاحم). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال: قلت: (الحسن بن أبي الحسن)، (أي: الحسن البصري رحمه الله)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: (إبراهيم النخعي). قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري! فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير