تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الإمام الزهري: من أراد الحديث بغير إسنادٍ كان كمن أراد أن يرتقي السطح بلا سلم.

فشرطوا لقبول الحديث أن: يكون متصل السند من أوَّله إلى آخره بالرواة العدول الضابطين من غير فجوةٍ ظاهرة أو خفية، مع ضرورة السلامة من الشذوذ والعلل القادحة، فميَّزوا المقبول من المردود، والصحيح من السقيم.

ومعول الهدم الثالث هو: سوء تأويل النصوص الثابتة، فيتقدَّم ما حقه التأخير، أو يتأخَّر ما حقُّه التقديم، ويخرج من أحكام الإسلام ما هو من صلبه، ويُضاف إليه ما ليس منه.

ومعظم الفرق الضالة والأفكار المنحرفة عن الإسلام آفتها سوء تأويل النصوص.

قال ابن القيم في كتاب الروح: ينبغي أن يُفهم عن الرسول صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم مراده من غير غلوٍّ ولا تقصير، فلا يُحَمَّل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ?، بل سوء الفهم عن الله ورسوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولاسِيَّما إن أُضِيف إليه سوء القصد، فيتَّفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، فيا محنة الدين وأهله، والله المستعان.

وهل أوقع القدرية، والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والروافض، وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ? ورسوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم حتى صار الدين بأيدي أكثر الناس هو موجب هذه الأفهام، والذي فهمه الصحابة رضي الله تعالي عنهم ومن تبعهم عن الله ورسوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم فمهجورٌ لا يُلتفت إليه، ولا يرفع هؤلاء به رأساً.

حتى قال: حتى إنك لتمرُّ علي الكتاب من أوله إلى آخره فلا تجد صاحبه فهم عن الله ? ورسوله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم مراده كما ينبغي في موضعٍ واحد، وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه علي ما جاء به الرسول صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم، وأما من عكس الأمر فعرض ما جاء به الرسول صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم علي ما اعتقده وانتحله وقلّد فيه من أحسن به الظن فليس يُجدي الكلام معه شيئاً، فدعه وما اختاره لنفسه، وولّه ما تولي، واحمد الله ? الذي عافاك مما ابتلاه به.

وقد يصل سوء الفهم بصاحبه أن يرد الأحاديث الصحيحة زاعماً مخالفتها لآيات القرآن وقواعد الدين، وقد ضربنا أمثلة لذلك ونزيد الأمور وضوحاً فنقول:

قرأ بعضهم حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (20) ففهم أن المراد بالتجديد هو: تغيير الدين فقال: الدين لا يتغيَّر، والحديث موضوعٌ مكذوب، وإن صحَّحه علماء الحديث.

ولو أنصف هذا القائل لعلم أن المراد بالتجديد هو: تجديد فهم الإسلام والعمل به، والعودة إلي منابعه الأولى، وصورته الأصلية التي جاء بها رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم.

وقرأ بعضُهم أن رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم كان يدعوا ربه قائلاً: "اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين" (21).

ففهم أن المراد بالمسكنة: الفقر وشدة الحاجة، وهذا منافٍ لاستعاذة النبي صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم من الفقر وبناءً على هذا الفهم: فالحديث موضوع.

ولو أنصف هذا القائل، وتروَّى في دراسة الموضوع، وطالع كلام العلماء علي الحديث لعلم أن المراد بالمسكنة: التواضع، وهو من أخلاق الإسلام التي يحرص المسلم على التخلُّق بها.

قال ابن الأثير: أراد به التواضع والإخبات، وألا يكون من الجبَّارين المستكبرين (22).

قال الشيخ الغزالي: وأكثر الظلم الذي وقع على السنة أصابها من أن حديثاً من الأحاديث قُدِّر له أن يعمل في نطاقٍ مُعَيَّن فجاء بعض القاصرين وحرّفه عن موضعه بالتعميم والإطلاق (23).

وهذا كلام جيدٌ ولكن تحديد نطاق عمل الحديث لا يُحَدِّدُه أصحاب الأهواء قليلي العلم والمعرفة، وإنما يُحَدِّدُه علماء السنة، الراسخون في العلم، وفق علوم الإسلام ومعارفه حتى لا نهمل الأحاديث أو نسيء فهمها.

[email protected]

ـــ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير