الصنف الثالث: صنف اجتهد في طلب الحق مع محبة للسنة، وحرص على التمسك بها، ولكنهم وافقوا بعض أصول المتكلمين، وتابعوهم ظانين صحتها عن حسن نية، وانتهى بهم الحال لمذهب قريب مما وصل إليه الأشعري في مذهبه الذي استقر عليه في الفترة الأخيرة، أو قريب منه، ومن هؤلاء أبو الحسن الأشعري نفسه، والبيهقي وأضرابهم.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى [41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn41)
((... ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام، على درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة- (الكلام هنا عن هذا الصنف) - ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها: لهم مقالات قالوها باجتهاد، وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى موافقة، وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقة، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات، ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج ... ))
الصنف الرابع: صنف يعتبرون مقرري العقيدة، ومنظرين لها ا باسم (الأشعري) -وهو منهم براء-
و على هذا نقول وبالله التوفيق فإن الحافظ إبن حجر يعد من الصنف الثاني الذين وقعوا في تأويل بعض الصفات عن إجتهاد و هم من محبين السنة الناصرين لها
وهناك أمور يجب معرفتها بخصوص ابن حجر هي:
1 - كل الكتب التي ترجمت للحافظ، وخاصة القديمة منها، لا تكاد تصرح بشيء فيما يتعلق بمذهبه العقدي وأنه يوافق الأشاعرة، بل على العكس، هناك عبارة واحدة نقلها السخاوي في الجواهر والدرر عن الجمال ابن عبد الهادي يقول فيها عن ابن حجر:
((كان محباً للشيخ تقي الدين ابن تيميه، معظماً له، جارياً في أصول الدين على قاعدة المحدثين ... )) أ. هـ
لذا فقد تعرض المتأخرون في بحوثهم لمذهب الحافظ العقدي، ولم يتفقوا على رأي واحد,
فمنهم عده أقرب شيء إلى عقيدة مفوضة الحنابلة كأبي يعلى ونحوه وغيره عده انه من أهل السنة موافق للأشاعرة في بعض الأمورغير أنه يمكن أن يستنبط من ذلك: أن الحافظ كان متأرجحاً بين المنهج السلفي والأشعري، وإن كان قد يوافق الأشاعرة في مسائل، فقد خالفهم في مسائل أخرى، فبهذا يظهر أن مخالفته لمذهب السلف من غير قصد لهذه المخالفةإنما ظهر ذلك نتيجة اجتهاده, حيث نجد أنه ذاب عن السنة، محب للسلف، مفضل مذهبهم وطريقتهم في العقيدة، كما كان ذاماً للبدعة0
2 - كان أهل ذلك العصر- أعني عصر ابن حجر- أو ما يسمى عصر سلاطين المماليك- عصر انتشار التصوف، وتقديس الأشياخ، والاعتقاد فيهم، وقد كانوا في غاية التعصب لما هم عليه من العقائد المنحرفة، حتى أن ابن حجر يذكر في كتابه "إنباء الغمر" (16) أن قراءة كتاب في العقيدة السلفية ككتاب الإمام الدارمي (الرد على الجهمية) يعد خروجاً على عقيدة الجماعة ويسجن صاحبه!!
3 - ومع كل ما سبق فابن حجر خالف الأشاعرة في كتابه فتح الباري في مواضع كثيرة جداً
ورد أيضاً عليهم مصرحاً باسمهم،
وحكمنا على هؤلاء أنهم من أهل السنة والجماعة، بخلاف الزلات والهنات التي ينبه عليها في موضعها، لأن أي شخص من أهل السنة صاحب منهج صحيح إذا زل في أمر جزئي، لا يكون حكمه حكم مبتدع فاسد المنهج، لأن خطأ الأول خطأ جزئي، وخطأ الثاني خطأ منهجي مذهبي. ولذلك لم ينه شيخ الإسلام عن قراءة شرح صحيح مسلم للنووي ونحوه، كما فعل مع كتب المعتزلة والفلاسفة والمعتزلة والأشعرية، لأن شرح صحيح مسلم للنووي على طريقة المحدثين، على ما وقع فيه من هنات وزلات.
¥