[علم الحديث صعب المرتقى، عالي الذروة!]
ـ[أبو مهند القصيمي]ــــــــ[05 - 11 - 09, 08:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الفاضل محمد خلف سلامة - وهو أحد أعضاء هذا الملتقى المبارك - في آخر كتابه الروض الذي ازدهر شرح نخبة الفكر:
(إن علم الحديث صعب المرتقي عالي الذروة كثير الفروع بعيد الأصول، فمن طلبه فليعلم هذه الحقيقة وليقدم أو يحجم بحسب ما يعلم من نفسه.
إن من أصعب العلوم وأخطرها وأهمها وأكبرها علم نقد الأخبار ورواتها، ولهذا قل الأئمة في هذا الفن وإن كثر طلابه والراغبون فيه والمشاركون لأهله في كل عصر؛ فانظر مثلاً في كتب طبقات الفقهاء أو المفسرين أو النحاة وقارن من تجدهم من حيث العدد بمن تعلمهم من علماء الجرح والتعديل ونقد الأحاديث يظهر لك صواب ما قلته جلياً؛ وما ذاك الا لصعوبة هذا الفن وعجز أكثر الطلاب عنه.
وهذا الأمر لا بد أن يتيقنه كل من أراد أن يقدم على الاشتغال بعلم الحديث أو المشاركة فيه، فبمعرفة صعوبة علم نقد الأحاديث ورواتها تُعرف خطورة ما يقوم به من ينتقد أصحاب ذلك العلم ويبين مسالكهم فيه؛ ومن علم عظمة هذا الفن وشدة خطره فإنه حينئذ لن يتسرع في حكمٍ على راو أو حديث، ولن يستعجل نقد ناقد أو يستسهل مخالفة إمام أو تخطئته، بل يكون شأنه في ذلك التروي والتريث وحاله فيه التأني والتثبت.
بل علم الحديث كله صعب فروايته تحتاج إلى ضبط ودرايته تحتاج إلى ضبط ومعرفة واسعة.
قال الرامهرمزي في (المحدث الفاصل) (ص202 - 203):
(حدثنا محمد بن جعفر الأهوازي المقرئ ثنا أبو عبد الله الأخفش ثنا سلمة بن شبيب بمكة ثنا ابن الأصبهاني قال: قيل لشريك: ما بال حديثك منتقى؟ قال: لأني تركت العصائد بالغدوات.
حدثنا أحمد بن سعيد ان الزبير بن بكار حدثهم قال حدثني أبو ضمرة حدثني من سمع يحيى بن أبي كثير يقول: لا يدرك العلم بالراحة.
حدثنا الساجي ثنا أحمد بن مدرك حدثني حرملة قال سمعت الشافعي يقول: لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملك وغنى النفس فيفلح؛ ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم أفلح.
قال الساجي: وحدثنا الربيع أو حدثت عنه قال: كان الشافعي يجزئ الليل ثلاثة أثلاث الثلث الأول يكتب والثاني يصلي والأخير ينام.
حدثنا الحضرمي ثنا ابن نمير ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت أبا عقيل الثقفي يقول: إنما نحفظ الحديث لأن أجوافنا قد أقرحها البز قال أبو خالد ثم رأيت له بعد ذلك غلاما خياراً؟؟).
وقال ابن دقيق العيد في (الاقتراح) (ص344): (أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام).
وقال الذهبي في (الميزان) (3/ 45): (والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع).
وقال ابن حجر في (نزهة النظر) (ص113): (ليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، فإنه عن عدّل بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب؛ وإن جرّح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً).
وقال المعلمي في مقدمته لكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (صفحة ب - صفحة ج): (ليس نقد الرواة بالأمر الهين فإن الناقد لا بد أن يكون واسع الاطلاع على الأخبار المروية، عارفاً بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب والموقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي متى ولد؟ وبأي بلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والتحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع وكيف كتابه؟؛ ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم وبلدانهم ووفياتهم وأوقات تحديثهم وعادتهم في التحديث، ثم يعرف مرويات الناس عنهم، ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه، ويكون مع ذلك متيقظاً، مرهف الفهم، دقيق الفطنة مالكاً لنفسه، لا يستميله الهوى ولا يستفزه الغضب، ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر، ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر. وهذه المرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ. وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت
¥